علي ابو الريش
كُنت في المشهد سيدي، نجماً وعلماً ونغماً، كنت شهماً وسهماً، وكنت راحة ممدودة، مثل قامة النخل، مثل شهامة الجبل وفخامة السهل، وكُنت كوكباً تدور في أفلاكك النيازك والشهب، كُنت الخصب والصخب، والنخب، والسهب، والرحب، والحدب.
كُنت سيدي في المشهد، وجهاً تليق به السحب والنجب، ونبل السجايا والثنايا، وفضيلة النوايا.
كُنت سيدي، بريق الحياة الرافل، بنور وأجمل السطور، كُنت الحبور وسرور الشعر عندما يتساقى من رحيق الوطن عندما يتلاقى مع بهجة الزمن ورفرفة الأجنحة الراجحة، العازفة لحن الخلود من أجل وجود مشرق متألق، سامق باسق، عاشق لغنى السرائر ووثوق الأواصر.
كُنت سيدي حرير الأحلام تداعب أهداب الحياة، وتسفر عن تفاؤل، وشفافية الأسئلة يا أيها الرجل النجيب، يا خير من أنجبته الغيوم، الهاطلة، يا خير من أسفرت عنه أقمار الليالي، المتلألئة .. كُنت سيدي مساحة الوعي في ثقافتنا، كُنت سنبلة الهوى في عشقنا للكلمة، كُنت النصل، والفصل، والأصل، وكُنت العقل، والنُقل، والمُقل والقُبل على وجنة الصفحات حين تثريها برأي ورؤية، حين تزخرفها بمداد قلب ما ضاق يوم لسؤال، ولا حاق يوماً بمآل، إنك سيدي الفقدان الذي شج الوجدان، وأعطب القلب عن بوح ما في الجرح، من أسباب الفجيعة حين سطا الموت وأبدى أسباب القدر، فلا حذر ولا نذر، لأنه الموت، وها نحن نتمشى على قارعة أفئدتنا سياط الأسى.
حيث الفقدان أشد وطأة وأنكى من ضرب النصال الصواقل .. تذهب سيدي، ولا يذهب طيبك، حيث العطر فوحك، ونضارة الكلام بوحك.
تذهب سيدي .. وتبقى الصورة في المشهد رسماً وأسطورة.