علي أبو الريش
الخلل الوظيفي في العقل، يحول ذكاءه إلى جنون مدمر.. فلماذا قتل بول بوت في كمبوديا ربع سكان بلاده؟ لماذا هدمت طالبان في أفغانستان معابد بوذا وقتلت وشردت؟ لماذا فتك ستالين بثلاثين مليون من معارضيه تحت مسمى الخيانة العظمى؟ لماذا أحرق داعش الكنائس في العراق وسوريا، وحتى قبر أبو العلاء المعري لم يسلم من التنكيل على أيدي المتطرفين في «المعرى» بسوريا؟ في الحرب العالمية الأولى 1914 قتل ثلاثون مليون إنسان، وفي الحرب العالمية الثانية 1939 قتل ما يقرب من سبعين مليوناً .. هذا العقل نفسه الذي أنجز أعظم المشروعات الإنسانية في التكنولوجيا، حيث تحول الإنسان من البدائية إلى النووية في الصناعة.
الجمال.. الجمال وحده والإحساس به هو المفصل والفارق، ما بين الوعي واللاوعي، ما بين التنوير والجهل والظلام، فالإنسانية، بتدفق الجنون على حساب الذكاء، تجاهلت زهرة اللوتس التي فتنت بوذا، وكذلك تجاهلت الحمامة البيضاء للسيد المسيح عليه السلام، وأمعنت في الغوص في غياهب اللاوعي، ذهبت بعيداً في الجنون حتى بات هو الكائن المسيطر والمهيمن على سلوك الإنسان لأن الخلل الوظيفي في الأنا انحرف بالعقل نحو متاهات الدمار والتشويه. الخلل الوظيفي أشاع الخوف والجشع وحب السلطة، ما جعل الإنسان يخشى الآخر، ويعاديه لأنه وضعه في خانة العداء، وما يحصل الآن على أيدي داعش وتوابعه هو يدخل في صلب الموضوع، الانحراف لدى الأنا، داعش ناصب العداء العالم، واتخذ من الجنون وسيلة لتحقيق الذات، وبالتالي فإن التدمير والوحشية اللتين تتصف بهما لم يأتيا من فراغ إنه نتاج العقل الجمعي وبراثن مفاهيم مغلوطة عن الحياة والدين وتعاليم السماء السمحاء.. داعش يغفل ذلك، لأنه انفصل عن الواقع الواعي، ودخل مرحلة اللاوعي، وبالتالي لا نستغرب أن نجد رجلاً مقنعاً بالأسود، يجز رقبة إنسان بريء لأن الذهنية الداعشية ركبت على مفاصل العقل المجنون المنفصل عن الذكاء، ولم يستقر العقل البشري في عالمنا اليوم ما دام هذا العقل يتغذى من سماد استجمع من فضلات كتلة الألم المتوارثة.