علي أبو الريش
كنت في مستشفى زايد العسكري مع الذين فقدوا الشهداء والذين جاؤوا ليسألوا عن مصابيهم، حاملين معهم المصاب الجلل بقلوب مطمئنة مؤمنة بأن رجال الواجب هم صقور المحبة التي حملت على عاتقها حماية مجد الإمارات وعزها وشرفها فنالوا الشهادة، أو أصيبوا، مكللين بالمجد ونبل العطاء.. في صالة لفت بين جدرانها لهفة أولياء الأمور من رجال ونساء جلس الجميع يستمعون إلى حديث المواساة بكل لطافة وحسن الخلق ورقي المبادئ السامية مرددين آيات الله والأدعية عسى أن يخفف الله من المصاب الأليم.
هؤلاء الأفذاذ من ذوي الشهداء والمصابين آمنوا أن الموت حق وأن الشهادة من أجل كرامة الوطن هدية المؤمنين الصادقين المخلصين من الله تعالى لعباده الصالحين، لذلك كانت الوجوه السمحة تشرق بنور الله والعيون يشع منها بريق الوفاء والانتماء إلى وطن قيادته الرشيدة جزء منير من نسيج الناس أجمعين وصمت الشجعان والصناديد الأوفياء، كان سيد الموقف وهذا لم يكن غريباً على أهل الإمارات الذين وقفوا موقف البطولة والنبل أمام موقف يستحق كل هذه الأخلاق، يستحق كل هذا الصمود، يستحق رد الجميل لوطن أعطى وأجزل وقيادة ضحت من أجل الإنسان وتقف الآن في مقدمة الصفوف لمتابعة أحوال وظروف المصابين أولاً بأول.
فصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة كان في المشهد، كان مع المصابين في المستشفى، كان يؤازر من تألموا ومن يعيشون الحدث متابعة وتهيئة وتنظيماً وتوفير كافة الإمكانيات وتسخير الظروف الملائمة لتضميد الجروح وتخفيف الآلام.. هذا الموقف يكفينا شرفاً بأن نقول «إننا جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
الإمارات كلها من أقصاها إلى أقصاها كانت في صلب الحدث الوطني، كانت مع القيادة ومع الشهداء والمصابين في المشهد الكبير، وما يزيد القلب إيماناً واحتساباً، ما نطقه الضباط ورجال المتابعة الحثيثة «هؤلاء عيالنا وكلكم على رأسنا»، كلمات حب نابعة من قلوب عاشقة للدم الإماراتي محبة للإنسان، موقنة أن الوطن واحد والدم واحد والخسارة واحدة والمصاب آلم الجميع ودمعة أم الشهيد وآهة أبيه، إنما هي نفخة الروح التي تلج الأجساد، فتحيك نسيج التداخل بين الجميع فلا يكاد يعرف الإنسان في ذلك الموقف من هو الأب أو الأم أو الصديق أو القريب.. الكل واحد والواحد كل وهذه هي الإمارات، نسل زايد العظيم، طيب الله ثراه.. فصبراً آل الإمارات فأنتم الفائزون الغانمون بحبكم ووفائكم ونبلكم وقوة عزيمتكم.