علي أبو الريش
ما من شك في أن الفراق له دموعه، كما أن للقاء شموعه، ولكن عندما يقترن الفراق بقضية بحجم التضحية من أجل وطن ومن أجل مبادئ لا تتسع لها الدماء الزكية المنثورة، كألوان الزهور على أرض ندية، يكون للفراق مذاق الفخر والاعتزاز، ويكون الفرح بالفوز ببياض التاريخ الذي سوف يصفف في صفحاته، معاني الشرف الرفيع ووسام الكرامة الذي ناله الشهيد وهو يلفظ آخر نفس مردداً الشهادة، مطلقاً آهة الألم اللذيذ وهو يحدق في سماء الله، ويقبض حفنة من تراب الأرض التي استشهد عليها.
عبدالله الشامسي، بكَتْهُ شعم، وقبلها قالت الأم الرؤوم ويح قلبي من فراق فلذة كبدي، ولكن، هذا الحزن، كان ملفوفاً بقماط الفرح، فرح الميلاد واستيلاء مشاعر الكبرياء، وما سطره الشهيد البطل من عبارات النخوة وسطوة الأحاسيس النبيلة، وهو يغادر أرض الإمارات، محلقاً في السماء إلى أرض اليمن الشقيق وفي قلبه أمنيتان، الشهادة أو النصر، وها هو يكسب الأمنيتين، الشهادة والنصر المؤزر يقترب من أيامه القليلة، وقوات التحالف، على أبواب صنعاء تدك معاقل المتمردين وصالح، بكل قوة وصرامة، وبخطوات ثابتة يتقدم الجنود البواسل، ملبين النداء، بشغف البطولة والرجولة.
عبدالله الشامسي، فارق الوطن بجسده، وستبقى روحه الطاهرة في منازل القلوب والنفوس، ستبقى ذكراه خالدة، «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون»، فهذا البطل التحق بركب الأبطال من أبناء الوطن إلى جنان الخلد، والإمارات من أقصاها إلى أقصاها، وضعت هؤلاء الرجال النبلاء موضع الحاجب من العين، وموضع الشريان من القلب، فهم الذين بدمائهم غسلوا أرض اليمن من رجس ونجس الذين باعوا الأرض والعرض، مقابل أطماع طائفية رخيصة.. هؤلاء هم رجالنا الذين ساموا الأرواح رخيصة، من أجل حرية الإنسان، ونقاء الأوطان، وكرامة الوجدان، من أجل أن يصبح اليمن حرا أبياً، ينتمي إلى نفسه وتاريخه العربي والإسلامي، ولا ينتمي إلى حزب أو طائفة.. هذه هي المبادئ التي ضحى من أجلها أبناء الإمارات، وهذه هي القيم التي غرسها في نفوسهم زايد الخير، طيب الله ثراه، وأكدها خليفة الأمل والرخاء.. عبدالله الشامسي، يغيب عن الوطن جسداً ليحضر روحاً، وتاريخاً، مجللاً بالعز والفخر والكرامة، مكللاً بعطر التاريخ، وجلال السجية.. عبدالله الشامسي، رحل وهو الحاضر في الزمن، المزدهر حباً في قلوب الأهل.. وشعب الإمارات لن ينسى هذه التضحيات، لأنها في مكان النفس وفي موقع العقل.