بقلم : علي ابو الريش
أن تحرم طفلك من الحنان، فهو أشبه بحرمان الأرض من المطر.
فقد تتوافر لهذا الطفل كل أسباب الراحة المادية، وقد يمتلئ جيبه بالدراهم، كما تمتلئ الوديان برضاب الجداول، وقد تزدحم غرفة نومه بالألعاب والملابس التي تضخها أسواق الموضة، ومحلات بيع الألعاب الإلكترونية، ولكن كل هذا الفيض ليس أكثر من فيض السواحل بالزبد.
طفلك يحتاج إلى الحنان كما تحتاج الأعشاب إلى البلل، طفلك يحتاج إلى الحنان كما تحتاج الوردة إلى الندى، طفلك يحتاج إلى الحنان كما تحتاج الأشجار إلى النسيم، طفلك يحتاج إلى الحنان كما يحتاج الطير إلى الأجنحة.
طفلك يحتاج إلى الحنان كما تحتاج الشفتان إلى الرضاب، طفلك يحتاج إلى الحنان كما تحتاج العيون إلى الضوء، طفلك يحتاج إلى الحنان كما تحتاج الفراشة إلى العطر، طفلك يحتاج إلى الحنان كما يحتاج الجسد إلى الدماء الصافية، طفلك يحتاج إلى الحنان كما تحتاج الركاب إلى الظل.
فقد تكون أنت أسخى من المطر على الأرض، ولكنك بكلمة واحدة جافة، تهدم بيت الرمل الذي بنيته، بصرخة مدوية واحدة، فقد تشقق جدران غرفة الطفل الداخلية، بكلمة لا مشفوعة بنظرة شبه الجمرة، فقد تحرق عش العصفور، الحنان بنيان الشخصية، وهيكلها العظمي، وعمودها الفقري، والدم الذي يسري في العروق.
اليوم نلاحظ أطفالاً في سن الورود، وعلى وجوههم سحنة الكهولة، وبين شفاههم تجري تيارات هوائية ساخنة، تمنع الابتسامة، وتطفئ إشراقة الطفولة، وتبيد العفوية، وتضع على الوجه كتلة سميكة من أسمنت الجفول، وتقطيبة بحجم دمار العالم.
نلاحظ أطفالاً وقد كبروا، وشابت ذوائبهم، وتجعدت وجناتهم، وأصبحت جباههم شوارع تتسرب في تجاويفها أخاديد الاكفهرار، والعبوس، نلاحظ أطفالاً لا يعرفون الابتسامة، وإن شاهدوها على وجوه غيرهم، فلا يتعرفون عليها، بل يحسبون أنها زائر غريب حط من عل.
عندما يفقد الأطفال الحنان، فإنهم يفقدون التعرف على أنفسهم، وكذلك التعرف على عالمهم. الطفولة، هي جدول ماء، نحن الذين نلوثه بمفاهيمنا الخاصة، ومشاعرنا المتعجرفة، التي جاءت من ماض جفت منابعه، وأصبح مجرد أثر من بعد عين.
الطفولة كائن نبت من البراءة، نحن الذين نملأه بأيديولوجيا الكبت والحرمان من النقاء، نحن الذين نضخ في جعبة الطفولة، العوادم الزيتية، وثاني أكسيد الكربون، حتى تمتلئ رئة أطفالنا بما هو مميت وخانق.
الطفولة، لا تحتاج إلى مادة تزين أجسادهم، بقدر ما تحتاج إلى مكنسة تنظف مشاعرهم، من نفايات اليوم الواحد، والأيام التي سبقته.