بقلم -علي ابو الريش
في الصباح الباكر، وقبل شروق الشمس، وأنت تضع أهداب الشمس على جفون الحياة، يأتيك الهديل من مكان قريب، يهديك السلام والأمان والطمأنينة، فتشعر أنك في منازل السكينة، برغم الضجيج الذي يختلس مكانك، ويجعلك تسأل لماذا لم يستدع البشر وعيهم ولو للحظة، وتتوقف رماحهم عن الصليل، تتذكر ذلك الشهم الذي أسس للحياة منهجاً، فحواه أن لا حياة من دون هديل بلون الوجود بالنقاء، ولا حياة من دون حفيف يخضب المعنى بالشفافية، ولا حياة من دون مشاعر تتجلى بالجمال ورونق الأناقة، ولا حياة من دون قصيدة تكلل الأفكار ببتلات الورد، وهي ترفرف عند قافية ومفردة.
في الصباح يأتيك الصوت الجليل، ليمنحك معنى للحياة، ويدلك إلى طريق الأمل، ويشير بالبنان ببيان أن الحياة نافذة، نحن الذين ندخل النسمات العليلة إلى غرفها الواسعة.
في الصباح، وأنت تغسل الوجود بابتسامة تشرق من أقاصي وجدان لا زال يتهجّى أبجدية العمر، تشعر أن في هذا الكون الفسيح المشغول بحروف الطوائف، خيانات الأحزاب والكتل الجهنمية، أن في الأفق تكمن الحقيقة، وأن ما ينطق به الطير، هو النسق الداخلي لكل كائن عفوي يتحلى بجمال الطبيعة وخصال الغريزة البكر.
تتذكر، لقد مرَّ المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من هنا، من هذه الفسحة الأنيقة، ومرر بصره وهو يتطلع إلى وجود لا تعكره فورة ضمير ميت، ولا تكدره نبرة نفس أمّارة، كان يحلم بعالم مندمج في بريق النجوم، منغمس في شعاع الشمس، متناغم مع رفرفات الطير، منسجم مع هفهفات الغصون، عالم يذهب إلى الحياة بقلب أصفى من ماء النهر، وأنقى من وجه القمر.
هذا درس زايد الخير، فعندما تعترينا هبّة ريح من شرق أو غرب، نلوذ بأنفسنا إلى شجرة زايد الخير، ونتكئ على قصيدته العصماء، لنحمي أنفسنا من عصف المشاعر، ونسف الخواطر، نكون في اللحظة المباركة ونحن في عصمة قامة الأحلام الزاهية، ومقامة قادة رسخوا في الوجدان ثقافة التسامي فوق متغيرات الظروف، ونسجوا في الوعي حرير العلاقة بين الإنسان والإنسان، حتى لا يبقى في غضون الأيام ما يغبن، وما يهيمن على الأنا من بؤس ورجس.
هذه مدرسة زايد، علّمتنا الانضباط في المشاعر، لأنه كما قالت ألغيتا الهندية (الإنسان اللا منضبط لا يمتلك الفهم، ولا الإخلاص، ومن لا إخلاص لديه فلا سلام له، ومن لا سلام له فأنّى له الفوز بالسعادة).
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد