بقلم : علي أبو الريش
بعض الأطفال أحلامهم أوامر، في بيوت غرقت بمشاعر أشبه بالمد البحري، عندما يطال الجدران الخفيضة. هؤلاء الأطفال يعيشون على وهم أن الأشياء يجب أن تأتيهم، ولا يذهبون إليها. هؤلاء الصغار لا يعرفون في الحياة شيئاً عن (لايوجد)، فالأشياء موجودة بالفطرة، وأن ما عليهم إلا الإشارة إلى هذا وذاك، وما أن يصرف الواقع كل مدخرات كلمة (موجود)، حتى يبدأ السؤال عن لماذا؟
الكثير من أولياء الأمور يعتقدون أن الفيض في العطاء، حتى وإن لم يكن هناك حاجة لما يعطى، إنه أمر يزرع الابتسامة على محيا الصغار، ويجعلهم أسوياء وتغمرهم السعادة.
بعض أولياء الأمور وقعوا في مصيدة المقارنة بالغير، لذلك فهم يغدقون على الأبناء بالمهم والتافه حتى الغرق، ويظنون أنها أنسب وسيلة لإبقاء الأبناء في قلب دائرة الإشباع، ولا يكتشفون مرارة هذا الوضع المزري إلا بعد حين من الزمن، وبعد أن يصبح الصغار كباراً، وبعد أن تكبر أوهامهم، وتصير بحجم الكرة الأرضية، فلا يستطيع هارون الرشيد تلبيتها، ولا حتى (بيل جيتس)، لأنها أوهام تحمل أحلام طفولة، ودائماً ما تكون أحلام الطفولة أوسع من دائرة الواقع، وأرفع من قبة السماء، وأغزر من المحيطات.
اليوم عندما تبحث عن ابتسامة طفل ولا تجدها، فاعلم أن وراء العبوس طفحاً في العطاءات، والتي لم تدع مجالاً للتفكير بالحاجة، وعندما يفقد الإنسان خاصية التفكير، يفقد معها نعمة ترتيب الأهداف، وفي خضم هذه الفوضى في المشاعر، تضيع الابتسامة، فالطفل الذي أنجز كل متطلباته الحياتية في الصغر، لن يجد هذا النهر نفسه يمر بالقرب من منزله، فالأشياء تتغير والظروف السهلة قد تصبح صعبة، ومن لم يعتد على مواجهة الصعوبات في الصغر، سوف يتهاوى لأول عقبة تصادفه في الكبر.
مشاعر الحب الفائضة عن الحاجة، قد تعمي الأبصار عن حقائق كثيرة، ومن أهمها عجزنا عن ترتيب الأولويات في التعامل مع الصغار، فطالما عودنا الطفل أن طلباته أوامر، فإنه سوف يكبر في العمر، ولكن مشاعر الطفولة لن تغادره، سوف يكون طفلاً كبيراً، ويحتاج دائماً إلى طلبات لا ترد ولا تصد، يريد الجاهز والسهل، يريد التميز من دون تعب، يريد الحب بلا حدود، من غير أن يعطي. لذلك فالأمر يندرج في الحياة الزوجية، فعندما تسمع عن حالة طلاق، فابحث عن نمط التربية لدى الزوجين، ستجد أنها تصب في خانة (طلباتك أوامر)