علي ابو الريش
لو أنك جلبت نبتة من منطقة باردة لتغرسها في منطقة حارة وحاولت المستحيل لكي تنمو النبتة وتتفرع وتثمر، فلن تجدي محاولاتك لأن الفارق ما بين البيئتين في المناخ يدحض رغبتك في تجاوز هذه العوامل الطبيعية.. كذلك يفعل بعض الناس الذين انتابتهم لوعة الترقيع واستيراد ما لا يمكن استيراده من أفكار لزرعها في بيئة غير بيئتها، ما جعل الجسد الثقافي والاجتماعي يرفضها ويقاومها بشدة، ولكن ورغم كل هذا الرفض البات لمثل هذه السلع البائرة، إلا أن أصحاب الأفكار المسمومة، يحاولون ويراوغون ويجازفون ويغامرون ويفعلون المستحيل من أجل إثبات أن ما يفعلونه حقيقة، فقط لأنهم يريدون ذلك، ولأن إغواء النفس أرغمهم على فقدان البصر لرؤية الحقيقة كما هي وليست كما يريدونها هم، وبالتالي أصبح من البديهي أن تعاني المجتمعات مثل هذه الافتراءات، ومن الطبيعي أن تجد تجاوزات مكلفة وباهظة الثمن، لأن التعنت لا ينتج عنه سوى المزيد من الخسارات الفادحة التي تدفعها المجتمعات من أجل صد الموجة العارمة، ومن أجل كسر أنياب الوحوش الضارية، ومن أجل الحفاظ على الثوابت الاجتماعية وحماية منجزاتها الإنسانية وإرثها الثقافي الذي ترسخ منذ قرون.
نحن اليوم في مواجهة صارمة مع فكر يضع أصحابه أنفسهم كبديل لحضارة الإنسان، هذا الفكر قائم على فرض الأمر الواقع وبالقوة، وجز الرقاب أول سلوك فعل للقوة والبطش اللذين يمارسهما أصحاب الفكر المسموم، لذلك لا نستغرب التصريحات التي تقول إن الخلاص من داعش وغيرها من تنظيمات إرهابية سوف يستغرق زمناً طويلاً، لأن المشكلة ليست في الأشخاص، وإنما في الأفكار المبثوثة من غبار تطاير إثر حركة ريح عاصفة، هذه الأفكار لا تحتاج إلى مطاردة بالسلاح فحسب، وإنْ كانت القوة مضاداً حيوياً لمواجهة القوة، ولكن الأمر المهم أيضاً تنظيف الساحة الثقافية والنسيج الاجتماعي من براثن الغي الذي مارسه المشعوذون وتلطيف الأجواء بمرشات ساخنة تزيح عن كاهل الناس هذا الرث الذي نشره أصحاب النوايا الجهنمية.
نحن بحاجة إلى زمن، والزمن يجري لمصلحتنا طالما عمل الجميع على ملاحقة الفكرة بفكرة مضادة، ومن ثم التخلص من تلك الفكرة بوضع حد للترهات التي تبث من هنا وهناك والاستعانة دوماً بالعقل قبل العاطفة في مواجهة مثل ذلك الإسفاف والاستخفاف الذي تم في غفلة من الزمن وبفعل شيطان رجيم هاجم الفكر الإنساني بأساليب ملتوية ولزجة.. نحن بحاجة إلى عقلية إنسانية عالمية مدججة بسلاح الفكر المستنير، وتضع في حسبانها أن الإنسانية لا يمكن أن تعيش بعين مغشية بدخان عقائق لا تمت للأديان السماوية بصلة، وإنما هي من صنع بشر عدوانيين عدميين عبثيين كارهين للحياة، يريدون أن يطبقوا ما يريدونه وليس كما هي في الحياة.