علي ابو الريش
في ليلة الحدث الرهيب تقاطر الناس زرافات نحو مراكز التبرع بالدم، ومن دون دعوات رسمية جاء الجميع رجالاً ونساء، مواطنين ومقيمين على حد سواء من أجل إعطاء قطرات الدم لأبناء نزفوا من أجل قضية الشرف الرفيع.. مشهد الناس وهم يتدافعون نحو أسرة التبرع، كان ملحمة درامية تاريخية لا يستطيع أن يقيم فصولها إلا أبناء هذا البلد ومن عاشوا في كنفهم وتربوا على أخلاقهم، البعض منهم كان غاضباً لعدم تمكنه من التبرع، معتبراً ذلك خسارة فادحة، فكانت أمنيته أن ينث دمه في الزجاجات الشفافة لعل وعسى تصل إلى جسد جندي إماراتي أفدى روحه وأسخى بدمه من أجل الإمارات وكرامة الإنسان وشرف المبادئ.. والقيم الرفيعة.. ما كانت أمكنة التبرع تتسع هذه الحشود، حشود الكرامة والعزة والنبل والنجابة، فالموقف عبر عن قيامة الأرواح الذكية، ونباهة الأخلاق الرائعة، وشموخ الثقافة الوطنية في وقت الشدائد والمحن.. شبابنا، أحباؤنا، فلذات أكبادنا، شمروا عن السواعد، ومدوا الأيدي بسخاء الأبطال وثراء القيم ونقاء السجايا وصفاء الثنايا وجمال القلوب، شبابنا نالوا شهادة الامتياز الأخلاقي بهذا الموقف، وهم يصطفون طوابير ليؤدوا الواجب المقدس تجاه وطن وتجاه أشقاء ما ساوموا ولا قايضوا من أجل القدسية والشرف الرفيع.
تابعنا المشهد وقلوبنا يغمرها الفخر لأن كبرياء الإمارات لا يجرحها موقف مهما كان عصيباً ومهيباً ورهيباً، بقدر ما يزيد القلوب تصميماً وعزيمة وإصراراً وقوة في مواجهة أعداء الحق، ومن خانوا الله والوطن.. تابعنا ونحن نذرف الدموع خاشعين ضارعين صاغرين لهؤلاء الشباب الذين وقفوا وقفة رجل واحد معززين موقف الرجال بمواقف لا تقل عزماً وقيمة، هؤلاء هم شباب الإمارات في وقت الملمات تجدهم صناديد من أصلاب عمالقة شيدوا الأخلاق الوطنية من ذهب المحبة والإخلاص والصدق والوفاء والنجب.. تابعنا أمكنة التبرع فوجدنا الدم العربي الإماراتي، يخفق بدفقات الصفاء ويغدق قناني الإنقاذ بكل ثراء وكل ما تتمتع به الروح الوطنية من قوة المعاني النبيلة، وشهامة النجباء وكرامة الأصفياء وشرف الناس الأصلاء.. في هذا الموقف يمتزج الدم بالدم والأنفاس بالأنفاس والإحساس بالإحساس وتبدو الأرواح تحلق بأجنحة الانسجام والالتئام في وقت احتدام المشاعر.. فشكراً للمحبين، شكراً لعشاق الوطن والإنسان.. شكراً لكم أيها الشرفاء.