علي أبو الريش
لا يوجد تجمع دولي في العالم، يتمتع بقوة التلاحم الاجتماعي والقيمي أكثر من دول مجلس التعاون، فهذا الكيان لديه من الإمكانيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ما يجعله منطقة معشوشبة بسنابل النمو، يجعله طائراً بستة أجنحة، يستطيع أن يحقق تكامله بجدارة واقتدار، ومن دون تكلف أو تزلف، لأن دول مجلس التعاون هي في الأساس مكان واحد لزمان واحد، صفحاته التاريخية بنيت على ضرورة التعايش كجسد واحد، يؤلف أعضاءه نسيج الدورة الدموية الواحدة.
ذه الدول لا تحتاج إلا إلى قرار سريع يضع بصماته على التاريخ، ويرسخ لواقع لا يمكن أن يكون إلا كذلك.. هذه الدول تتمتع باقتصادات قوية ومتنامية، وقادة حكماء، قادرين على تجاوز معضلات الراهن بكل جدارة وقدرة، كما أن دول المجلس لا تشبه إلا نفسها في التداخل الجغرافي، والانسجام التاريخي، ووحدة المصير، والمساحة الواسعة من المعطيات الثقافية في العادات والتقاليد، وكذلك على صعيد البنية التحتية، وتنوع المنتج الاقتصادي..
هذه الدول لا تحتاج إلى مداولات بقدر حاجتها إلى تجليات، لأن الفطرة البيئية تفسح الطريق أمام أي توجه نحو تكامل اقتصادي يعود بالنفع على أهل المنطقة، إضافة إلى ذلك كله، فإن دول المجلس كونها تفتح ذراعين على بحرين، البحر الأحمر، وبحر الخليج العربي، يجعلها في قلب العالم، وتسكن مهجة الكون، بل إن منطقتنا هي رئة العالم، التي يتنفس منها اقتصاداً، وبالإضافة إلى كل ذلك، فإن أبناء الخليج كونهم يملكون الباب المتوسط بين العالمين، الشرق والغرب، فإن هذا الموقع أكسبهم شفافية عالية، في الولوج في ثقافات الآخر، والتماثل مع الغير من دون حساسيات ثقافية، فأهل الخليج وصلوا إلى الهند ثم الصين، كما أنهم نشروا أجنحة الأحلام نحو أوروبا منذ القدم، واستطاعوا أن يبرزوا قامة رفيعة وسط عالم مزدحم بالرؤوس والسواعد، وهذا ما جعل التقنية الاقتصادية تهبط هنا بكل أريحية ومن دون تعقيد، الأمر الذي يجعل في التكامل الاقتصادي وسيلة رائعة لالتقاط حبوب اللقاح، لمزيد من التقدم والازدهار، وسوف يساعد عدم انتماء دول المنطقة إلى أيديولوجيات مغلقة، على التواصل بأسرع ما يمكن، فالإنسان الخليجي منذ الأزل، تعامل مع الآخر، بأيديولوجية الحب والانتماء إلى كون واحد. واليوم في الإمارات على سبيل المثال، نرى هذه القارة الصغيرة تحتضن مشاعر العالم، وبشرشف الود، تلحف وجدان الناس جميعاً من دون تفريق أو تمزيق، نرى هذا المشهد الملون بالعشق إلى سماء واحدة، وأرض واحدة وأمنيات واحدة، وأحلام لا تنام إلا على هدهدة النسيم الصحراوي، ولا تصحو إلا على رعشة الموجة عند سواحل البهجة الإماراتية.. إذاً، فالسعي إلى تكامل اقتصادي لا يحتاج إلا إلى جملة واحدة.. اعقلها وتوكل..