ميساء راشد غدير
يوم الجمعة الماضي تناولت خطب مساجد الإمارات وغيرها من الدول العربية، «التحذير من التنظيمات الإرهابية»، مشيرة إلى أن مما يؤلم كل مسلم ما نراه من تشويه لتعاليم الإسلام على أيدي فئات آثمة، تنتهج التطرف والتشدد، وتستبيح الدماء والأعراض بلا رادع من دين أو رحمة أو إنسانية.
عندما تحذر الخطب من الإرهاب في هذا الوقت فهي بلا شك تحذر من فكر داعش وأفعال داعش في المنطقة التي بدأت تتسع اليوم كمنظمة إرهابية بربرية وحشية لا تتصل أفعالها بالدين الإسلامي، وتأتي هذه التحذيرات بعد أن أصبح بعض شباب الوطن العربي ضحايا التغرير بهم يوم التحقوا بهذا التنظيم وأصبحوا من جنوده متخلين عن مبادئهم وإنسانيتهم، وعن فطرة خلقوا عليها.
تنظيم داعش أصبح خطراً يواجه العالم بأكمله فهو يضم مقاتلين من 80 دولة وأصبح عدد مقاتليه 30 ألفاً غالبيتهم من الشباب الذين تم تجنيدهم فكرياً قبل تجنيدهم عسكرياً، وهو المقلق والاكثر خطراً عندما تدار الحروب فكرياً لا عسكرياً فحسب.
بالأمس كتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، مقالاً عن «داعش»، رأى سموه فيه أن مكمن الخطورة ليس في قوة «داعش» العسكرية، ولا في أعداد مقاتليه بل في الفكر التنظيمي الخبيث البربري الذي توغل في عقول من يضمهم التنظيم وأصبح القوة الحقيقية لهذا التنظيم وأي تنظيم آخر.
فالقدرات العسكرية والاسلحة والقدرة على التوسع الجغرافي أمور لم يعد من المستحيل على الدول مواجهتها او مقاومتها، ولكن التحدي الاكبر هو مواجهة الفكر وتغييره، بل إنه الاسوأ كما قال سموه والذي قد يواجهه العالم اليوم او خلال السنوات المقبلة ما لم تتخذ التدابير ضده.
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد حلل في مقاله أوضاع التنظيم وأسباب توغله وكيفية انتشاره، ولكن ما يهمنا اليوم كشعوب أن سموه قد وضع يده على الجرح في حديثه عن الشباب الذين يجندون لصالح هذا التنظيم وتنظيمات غيره بسبب عوامل لا يجهلها العالم أهمها الفراغ والبطالة وسوء الاحوال المعيشية، ولو كانت ظروف هؤلاء افضل لما استطاع فكر داعش ولا غيره أن يجد طريقاً اليهم.
ما يجعلنا نتساءل: كيف هي أوضاع الثلاثين ألف مقاتل الذين ينتمون إلى 80 دولة؟ هل يعانون من البطالة؟ هل ظروفهم المعيشية مستقرة؟ هل تم اشباعهم فكرياً بما ينمي قدراتهم ويجعلهم قادرين على تنمية مجتمعاتهم أم أننا اسلمناهم لمن يتولى ذلك ويحول طاقاتهم السلبية تجاه مجتمعاتهم لتصبح فكراً خبيثاً يقتل هذا ويسفك دم ذاك؟
سموه قال: «هناك 200 مليون شاب في منطقتنا إما أن نغرس فيهم الامل ونوجه طاقاتهم لنغير حياتهم وحياة من حولهم للأفضل، او نتركهم للفراغ والبطالة والافكار الخبيثة والمنظمات الارهابية».
إن العالم اليوم يغفل عن قضايا الشباب ومطالبهم، لذا فإننا كلما اعتقدنا اننا قضينا على تنظيم فكري بقوة السلاح وجدنا انفسنا أمام تنظيم آخر جديد بفكر آخر، وفوجئنا بأسراب من الشباب الذين كبروا بين أيدينا تنضم تحت ألويته سلسلة من التنظيمات لا يمكن أن تنتهي إلا لو حصّنا شبابنا في الحاضر ومستقبلهم بما يليق بهم فلم نجد بينهم شباباً يائساً وحاقداً وغاضباً.