ميساء راشد غدير
يتساءل كثيرون عن أسباب تأخر قطاع الصحة في الإمارات عن بقية المجالات التي أحرزت فيها قصب السبق على غيرها من الدول، رغم الميزانيات الضخمة التي تنفق عليه في بناء المستشفيات وتزويدها بالأجهزة والمعدات، ورغم أعداد الخريجين ذوي الكفاءة العالية في كليات الدولة وخارجها، ناهيك عن وجود أعداد غفيرة من الأطباء الزائرين الذين يتم استقطابهم للعمل في مستشفيات الدولة.
في حديث مع عدد من الأطباء حديثي العمل في مستشفيات الدولة، وجدنا عوامل مؤثرة على عمل الطبيب وقدرته على التركيز والتشخيص وبالتالي الإنجاز، أسباب ترتبط ببيئات العمل والنظام الإداري. أهم الأسباب التي تحدث عنها الأطباء ضعف الرواتب، والأعباء الإدارية المطلوب منهم إنجازها..
إضافة إلى فحص المريض ومقابلته لتشخيص مرضه، دون وجود مساعد إداري يقوم بتسجيل معلومات الحالة في النظام التقني المخصص لذلك، ما يستقطع وقتاً طويلاً من الطبيب ويضعه تحت ضغط العمل الإداري، أكثر من الضغط المهني الذي ينبغي أن يركز فيه ليجد حلا للمرضى الذين يعالجهم.
حكومة الإمارات اتجهت إلى التطبيقات الذكية، ونستطيع القول إن جميع المؤسسات أصبحت تعتمد على إنجاز وإنهاء الكثير من الإجراءات تقنياً، إلا أننا نستغرب عدم قدرة القطاع الصحي على تسخير هذه التقنيات لمساعدة الطبيب على إنجاز مهامه وتسجيل مقابلته مع المريض صوتياً، ليتولى فيما بعد إداري آخر نقلها إلى النظام الإلكتروني، بدل استنفاد وقت الطبيب وطاقته في تعبئة نماذج أثناء فحص المريض وبعد خروجه، بشكل يؤثر على تركيز الطبيب وأدائه.
ورواتب الأطباء بعد ما لا يقل عن تسع سنوات من الدراسة والتدريب، تظل دون المستوى، بل محبطة بدرجة تجعل الطبيب المواطن يندم على اختيار هذا التخصص الذي كلفه عمراً ووقتاً، لكنه لم يحقق له مركزاً مرموقاً ولا راتباً لحياة تليق به، وهو ما دفع بعدد من الأطباء للتحول إلى التخصص الإداري في مجالات عمل أخرى غير الطب، فراتب الطبيب اليوم يقترب من راتب خريج جديد في أي مجال آخر، بل إن هناك خريجين تصل رواتبهم إلى ضعف راتب الطبيب المتدرب ثلاث مرات، فهل يعقل هذا؟!
أما الأمر الأقسى فهو أن ميزانيات الرواتب الضخمة تخصص لغير الأطباء المواطنين مع حوافز خيالية قد تمنح لوزير في بلدانهم، ما يخلق جواً سلبياً في العمل بدل أن تكون هذه البيئة تنافسية وإيجابية لتنعكس على صحة المرضى والمراجعين.
القطاع الصحي في الإمارات لكي ينهض لا بد من الاعتناء بأطبائه، ولا بد من تقدير مهنتهم وتقدير الحوافز المادية والمعنوية لهم، بدل صرف ملايين الدراهم على غيرهم من الأطباء الزوار، الذين لا نعتقد أنهم أكثر منهم كفاءة، وإن كانوا فلا ينبغي إيجاد فارق شاسع بين الاثنين، فالاستثمار الأمثل والأوجب يبقى في المواطنين بلا شك!