بقلم : ناصر الظاهري
لو أن الحياة فيلم هوليودي، لكانت الأمور سارت كما يراد لها أن تسير، دونما تعسير، وبنهايات سعيدة على الدوام، لكن الحياة أكثر تعقيداً، وما يصنع في الظلام أو في المكاتب الباردة أو خلف جدران أسمنتية لا تعرف الشفقة أكثر وأكبر بكثير، لكن الأميركيين لا يميزون بين ما يدور في الحياة الواقعية، وما يدور في السينما الهوليودية، ففي السينما يصنعون أبطالاً من كرتون، ويصنعون أشراراً في لعبات إلكترونية، ويخلقون معارك وهمية، ينفخون في البطل حتى يصبح نجماً، ويجتهدون أن يجعلوا من الشرير مخلوقاً لا يقهر، إلا ببطل أميركي مرادف «رامبو، كابتن أميركا، سوبر مان، الرجل الحديدي»، وغيرهم.
لو أن الناس في العالم «كراتين»، وسذج، وتفكيرهم سطحي، ويمكن أن يصدقوا كل شيء يرد لهم، لهانت المسائل، وبسُطت الأمور، لكن الناس بفضل ما أتاحت الثورة الإعلامية من وسائل ووسائط ومنصات رقمية هم أكثر ذكاء، ولا يمشي عليهم ما كان يصنعه «غوبل» أيام النازية، بترديد الكذب والكذب وحده حتى يصدقك الآخرون، اليوم اللعبة السياسية مفتوحة على كل الآفاق، ولغة المصالح هي السائدة، و«فيلم ذهب مع الريح» حفظناه منذ كنا صغاراً، والناس في العالم ليسوا مثل الكثير من الأميركيين لا يدرون أين تقع جواتيمالا في أميركا اللاتينية أم في أفريقيا بسبب عدم اهتمامهم، وقلة معارفهم، لأنهم مشغولون بحياتهم، وليس حياة الآخرين، ويهتمون بمدينتهم أكثر من اهتمامهم بعاصمتهم، وهذا قرار، وهم فيه أحرار.
ربما تتساءلون لمَ هذه المقدمة؟ وأقول خبر مقتل «البغدادي» بتفجير نفسه بالحزام الناسف الذي يحيط خصره ليل نهار، وأن أشلاء جثته تفتتت، بحيث لا رفات يوارى في مقبرة، كما أعلن الرئيس الأميركي المقبل على استحقاق رئاسي لفترة جديدة، ولا أدري لماذا كل رئيس أميركي يقضي على «عدو أميركا الأول» قبل انتهاء فترة رئاسته؟ منذ الجنرال «نورييغا»، مروراً بابن لادن والزرقاوي والآن البغدادي، يقضى عليهم بطريقة هوليودية غامضة وساحرة، فأحدهم دفن في أعماق المحيط، لكي لا يتحول قبره مزاراً، وآخر شاهدنا صوراً لجثة غائبة المعالم، وثالث تفتت جسده بالحزام الناسف، وآخر قبع في سجن أميركا عشرين عاماً، وبعد انقضاء محكوميته رحلته أميركا لفرنسا، ونسيه العالم بعدما قبض عليه بحيلة تركيب سماعات صوت، وجعلوها على درجة الضجيج، فلم يستطع المقاومة فاستسلم الجنرال «نورييغا» للقوات الأميركية، وهو يضع أصبعيه في أذنيه.
أشرار أميركا الأموات أحياء عندها يرزقون، وغداً ستسمعون خبراً عن «البصراوي» خليفة «البغدادي»!