ناصر الظاهري
كثير من المبدعين والمثقفين والواعين بأطروحة الوجودية، والأسئلة الكونية المقلقة، يدركون معنى الوصول للمحطة الأخيرة في الحياة، كسلام أبدي، واستسلام نهائي، لكن ما يخوفهم هو الزمن وسيرورته التي قد تأتي مبكراً، وقد يطلبها في حينها الخريفي، وتتأخر، قبل مدة ليست بالبعيدة كنت أتصفح وجوه الفنانات العربيات والعالميات في مقارنة بين زهو الصبا والشباب والعمر الذهبي، وبين الخريف حين يأتي برماده، سالباً البريق، وتلك الفرحة التي تضيء الوجه، فحدث شيء من الانقباض الذي تعرفه النفس، وتتذكره حين تقسو الحياة، فزبيدة ثروت الرشيقة، الخفيفة كحمامة، بتلك العينين مثل زيتون أخضر أول قطفة، وقد تحولت إلى كتلة دهنية، بريجيت باردو، وقد تخلت عن كل المشاغبة، وما يحض عليه الجمال النضر، وقد أصبحت كشخصية العجوز الشريرة في الحكايات، سميرة توفيق، وقد طار السواد من الشعر، والخال الذي على الخد، والكحل في العيون السود، وذلك الامتلاء الأنثوي الذي بمقدار، وقد غدت كعجوز عذراء مالطية لا تفارق دكة بيتها، ولا تمل تفحص الناس، وغيرهن الكثيرات ممن يثقلن القلب إن رأيتهن الآن، بعد أن عرفتهن بالأمس، وتدرك أن الزمن وحده أقسى العتاة، الجناة.
معالي زايد تلك الفنانة القديرة، والتي تحمل ميزتين، لا يشاركها فيهما أحد، تلك الخفة البلدية، لكنها كلها وعي، وعمق، ومعرفة وجموح، والأخرى ذلك الجمال الفرعوني المنحوت وقت الرخاء، عرفتها في بداياتها، وكانت قريبة من القلب، مرات تقول: فيها من سعاد حسني، ومرات تقول: فيها شيء من كل شيء، من نجلاء فتحي، وميرفت أمين، وفاتن حمامة، وهند رستم، ومرات تقول: هي وحدها من حظيت بأشياء كثيرة من نساء كثيرات، لابتسامتها الدائمة لغز الخدين، وتلك الغمّازة، والذقن المستدق، ولصوتها تميز تعرفه من بين كل الأصوات، حين تمثل لا تدرك كم أضفت على الشخصية من شخصانيتها، ولا تعرف كيف أنها مقنعة في أدوارها المختلفة، سواء تلك التي في السينما أو التليفزيون، لها حضور لا يمكن أن تخطأه أو تتخطاه، فدائما ما تقول لك: أنا هنا كمشخصة، وأنا هنا كمعالي زايد، حتى حينما تتوقف عن العمل اضطراراً، تركن لفنها التشكيلي، وتستريح في مزرعتها، وتحاول أن تصطاد وجوهاً من الحياة، هي من أسرة فنية، فوالدتها آمال زايد، وخالتها جمالات، والمنتج الراحل مطيع زايد، والسيناريست محسن زايد، والممثل ممدوح زايد.
معالي رحلت، وتذكرت سعاد حسني، ثمة أشياء تشتعل في النفس، لها دوّامة الفصول الأربعة!