ناصر الظاهري
في متاهة الريح والقلق، يبحث الإنسان عن أمكنة يمكن أن تكون أكثر شفقة عليه، وأكثر حنواً على نفسه المتهالكة من الوجع، وذاك التعب الذي يجرح العظم، ويجعل كل الطرق واحدة، التي اخضرت بعشبها في عذابه أو التي تكاثر شوكها في غيابه!
في متاهة الريح القلق، يهرب الإنسان إلى الأمام، مخلفاً بقعة الحزن الثقيلة وراءه، متمنياً أن لا يعود، وأن لا تكون تلك البقعة قد سبقته للأمام!
في متاهة الريح والقلق، يجازف المرء راكباً، وراجلاً من أجل تلك المرأة التي يمكنها وحدها أن تحتوي كل ذلك الخراب، وتؤنث الأمور، ويغدو الصباح بلون آخر، وطعم جديد آخر!
في متاهة الريح والقلق، وإن غسلت الدموع مآقي العين، فلكي تبصر حزنها أكثر!
في متاهة الريح والقلق، ما أشد لحظات المساء الذي يخبئ تلك الكآبة القابضة على الزرقة، وهو لا يدخل عادة وحيداً!
في متاهة الريح والقلق، ثمة يُتم يتربص بك أينما حلّت القدم، ما أثقل حينها الطريق، وما أبرد كل الأشياء حولك!
في متاهة الريح والقلق، تموت الأحلام، ولا يبقى مستيقظ إلا ذلك الركام الرمادي الماثل أمام عينيك مثل نسر حزين، وهرم، ولا يقوى على حمل جناحيه المتعبين!
في متاهة الريح والقلق، كم تبدو مثقلاً، مطارداً، ولا قلب يقول لك: ادخل بسلام!
في متاهة الريح والقلق، يحزنك الكرسي الوحيد، والملابس المعلقة، والمقهى الخالي، والشجر وهو يناظر لأوراقه الهاربة، والباب المقفل، وأشياء كثيرة تضجر!
في متاهة الريح والقلق، لا شهية للأشياء، وقليلة هي التي تفرح القلب، ما أسهل الأمور التي تستمطر ماء العين حينها!
في متاهة الريح والقلق، تغدو محباً لمرافقة السحاب السابح في سبحانيته، بتلك الهيبة البيضاء المتجلية، تظل معلقاً فيه، وبه، من خلال نافذة الطائرات، ولا تريد أن تحلّ، ما أبعد الأرض، ما أجملها!
في متاهة الريح والقلق، حيث لا جيران، غير حشرجات لألم متقطع، ولا صدى غير الآه، ولا فضاء إلا تلك البراري المترامية، تطارد فيها النفس ظلها!
في متاهة الريح والقلق، وحدها الصغيرة يمكن أن تخاتلك، لتطبع قبلة وتهرب، أو تلقي بعفويتها وثقلها عليك، وتقول: مريض.. أنت، أنت مريض! ساعتها تفرط من عينك قطرة ساخنة، وتقول: أقبلت الحياة بنورها!