علي العمودي
قبل أيام قليلة، جرى تداول مقطع مُصوّر على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه شاب خليجي غر لم يتعد العشرين من عمره إن لم يكن أقل، وقد بدا مرعوباً أشعث أغبر كثيف الشعر زائغ النظرات، يوزعها على آسريه في إحدى مناطق المعارك بالعراق النازف، وهم يقدمون له الماء ويستجوبونه حول سبب قدومه للقتال في بلادهم، فيتمتم بكلمات مبعثرة، قبل أن يقول إنهم (أي من أرسلوه) قالوا له إنه في «مهمة لتحرير العراق من اليهود».
وبقدر غضبي من فعلته وممن زجوا به في حرب لا ناقة له فيها، تملكني كذلك شعور بالأسف على حاله، وكيف غُرّر به ليهجر أهله ودراسته الجامعية ليأتمر لدى ملتاثين أعماهم التعصب والهوس بسفك دماء، وينفذ مخططاتهم الإجرامية في بلد شقيق، سواء في العراق أو سوريا.
صورة مؤلمة من صور إجرام تمثله اليوم العصابات الإرهابية التي تنشر الموت والدمار والخراب، ليس في ذلكما البلدين الشقيقين، وإنما في كل مكان تتسلل إليه، وتجد لها فيه موطئ قدم، وتتخذ منه ملاذاً آمناً، ولو إلى حين، كما هي الحال في بلدان عربية وإسلامية عدة من أفغانستان وباكستان شرقاً وحتى نيجيريا غرباً، مروراً باليمن والصومال وليبيا ومالي والصحراء الأفريقية.
واليوم والعالم المتحضر يحشد عسكرياً واقتصادياً للشراذم والعصابات الإرهابية التي تعيث فساداً وقتلاً وتنكيلاً في أرض الرافدين والشام باسم الإسلام، وتتخذ من ختم مبعوث الرحمة الإلهية وخاتم الأنبياء والمرسلين المبعوث بدين الحق محمد بن عبدالله، عليه أفضل الصلاة والسلام، جواز مرور لها، تجيء أهمية دعوة العلامة الشيخ عبدالله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، الذي يتخذ من عاصمتنا الحبيبة مقراً له.
وحذر في دعوته بالأمس شباب الأمة من أن يكونوا «وقوداً لنيران الفتنة والفساد في الأرض في الدنيا ونار جهنم يوم الحساب، وحثهم على التثبت مما يلقى إليهم من دعاوى ووعود، ويتشبثوا بالمحكمات من دين الله وشرعه حتى لا يفتتنوا بالمتشابهات ويلتبس عليهم الحق بالباطل».
وأكد فيها أيضاً «أنه لا عذر للعلماء والحكماء في عدم القيام بواجب البيان والنصح للأمة لإطفاء نار الفتن وحقن الدماء متضامنين مع الحق متعاونين على البر والتقوى».
كما دعاهم وحملة الأقلام والمبدعين إلى «تحمل مسؤولية الكلمة لتعزيز ثقافة السلم في مجتمعاتنا المسلمة، ليرجح التعايش والانسجام»، مشدداً في بيانه، بمناسبة الأحداث الجارية، على أن اضطهاد الأقليات الدينية وأشكال العدوان كافة عليها مخالف لقيم ديننا الذي أوصانا بهم خيراً، وجعلهم في ذمة المسلمين، وتوعد من يظلمهم بسوء العاقبة، ووفاء بتجربة الأمة التي لا نظير لها تاريخياً في التعايش والتسامح مع الأقليات، فضلاً عما تقتضيه أخوة الإنسانية والمواطنة من مساواة في الحقوق والواجبات، مؤكداً أن أي اعتداء من أي نوع أو إكراه على تغيير الدين غير مقبول والإسلام منه براء- كما جاء في البيان.
إننا في ظرف دقيق للغاية، يتطلب منا جميعاً الوقوف بقوة وحزم في وجه دعاة الفتنة لحماية شبابنا، والله نسأل أن يحفظ بلادنا من الفتن ما ظهر منها أو بطن.