علي العمودي
مع استمرار أصداء الهجوم الإرهابي الذي شهدته العاصمة الفرنسية باريس يناير الماضي على مجلة «شارلي إيبدو» الساخرة الذي ذهب ضحيته عاملون فيها، وقتل واحتجاز رهائن بمتجر يهودي، اللذين كانا محل استنكار العالم، وفي مقدمة ذلك المسلمون الذين ارتكب العمل الغادر باسم دينهم الحنيف وبزعم نصرة نبيهم الكريم لقيام المجلة بنشر رسومات مسيئة له صلى الله عليه وسلم، وإصرارها على المضي في مسلكها، بحجة «أن الإرهاب لن يمنعها من الحق في التعبير»، ومع وجود دوائر عدة في الغرب أيضاً غير قادرة على التمييز بين ممارسة ذلك الحق والإساءة إلى الأديان والمقدسات.
أقول مع استمرار تلك التداعيات، تابعنا نموذجاً لحدود يقف عندها الحق في التعبير في المجتمعات الغربية، مع واقعة إجبار مذيع شبكة «سي.إن إن» الشهير تيم كلانسي على الاستقالة بسبب تغريدات على «تويتر»، حمّل فيها الدعاية الإسرائيلية جزءاً من مسؤولية الهجوم على المجلة، واضطر لإغلاق حسابه «التويتري» بعد تعليقاته، التي أنهت مسيرته مع الشبكة الإخبارية العالمية التي استمرت لأكثر من 35 عاماً.
واقعة تعكس انفصام الشخصية والفهم المزدوج لتلك الدوائر الغربية لما تعتبره حرية للتعبير. وقد نجحت الدوائر ذاتها في استصدار قرار أممي يُجرم إنكار «الهولوكست»، بينما الإساءة إلى الأديان يُنظر إليها على أنها من حرية التعبير.
التصدي للتطرف والإرهاب يتطلب تفاعلاً دولياً مع مبادرات مراجع الوسطية والاعتدال في العالم الإسلامي، وفي مقدمتها الأزهر الشريف الذي دعا حينذاك في معرض إدانته لهجمات باريس، ومسلك المجلة الفرنسية إلى تجريم الإساءة للأديان والأنبياء. وهو ما شدد عليه بابا الفاتيكان بأن لحرية التعبير حدوداً، ولا تعني التطاول على المقدسات. وانطلقت مؤخراً دعوة صادقة من الشعبة البرلمانية الإماراتية في اجتماعات مجالس دول «التعاون الإسلامي» بإسطنبول إلى الأمم المتحدة لتبني قرار دولي ملزم لمنع التعصب والتمييز والتحيز والكراهية على أساس الدين والإساءة إلى الأديان ورموزها أو تشويه معتقداتها باعتبار ذلك ركناً أساسياً في استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب. وكذلك دعت المملكة العربية السعودية الشقيقة إلى الأمر ذاته، ومن دون ضبط الأمر ستجد أصوات التطرف بيئة خصبة لتفريخ جنون الإرهاب والتشدد المتفلت من الجانبين.