بقلم : علي العمودي
عادت أيام مهرجان الحصن لتضفي ألقاً جديداً على معلم من أهم معالم أبوظبي بما تحمله الفعاليات المستمرة حتى التاسع عشر من ديسمبر الجاري، ولتروي للأجيال فصولاً من ملحمة البناء والإرادة التي جعلت من أول مبنى مشيد في العاصمة الجديدة لشيوخنا من آل نهيان الكرام قادمين من العاصمة التاريخية ليوا قبل أكثر من مئتي عام، نقطة انطلاق لتسطير عهد جديد لإمارة أبوظبي وفي تاريخ الإمارات، وتدوين سيرة وطن تروي للأجيال تضحيات الآباء والأجداد على امتداد مسيرة حافلة زاخرة بالأحداث والمنعطفات المصيرية التي شهدت الإرهاصات والمخاضات في تلك الحقب المفصلية من تاريخ المنطقة.
من يعود لكتب الرحالة الأجانب والمستشرقين، وفي مقدمتهم الرحالة البريطاني ويلفريد ثسيجر المعروف باسم مبارك بن لندن ولقاءاتهم مع الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في هذا القصر، يدرك الأحداث التي شهدها باعتباره مركزاً للحكم والإدارة، ولعل من اعتزاز الشيخ زايد به أن اختاره لاحتضان أول مجلس استشاري لإمارة أبوظبي مع تطور التجربة الشوروية في الإمارة التي تجسد نهج الأبواب المفتوحة والمجالس المشرعة للجميع للحضور وطرح رأيه أو التماس حاجة لدى الحاكم في أجواء من البساطة والتواصل بين الجميع من دون فوارق بين الحضور، وهي تلك الممارسة التي تطورت لتشكل إرثاً ومنطلقاً لتجربة الحكم والإدارة على مر السنين، وتعززت معها صور التلاحم المجتمعي واللحمة الوطنية المتينة.
لم نكن ننظر للقصر على أنه مجرد معلم من شواهد عصر مضى، بل منارة تضيء للأجيال دروب المستقبل باعتباره من صور الاعتزاز بتاريخ وطن وارتباط أبنائه بتراثهم وتاريخهم. وهنا نحيي الجهد الكبير والدور العظيم الذي تنهض به دائرة الثقافة والسياحة لربط الأجيال، خاصة أن المنطقة الثقافية من المعلم التاريخي تمثل وعاءً عميقاً وذاكرة متجددة بما تحمل وتمثل، وهي تستقطب زوار العاصمة من السياح الذين يتدفقون على أبوظبي هذه الأيام وهي تترع بجملة من الأنشطة الفنية والثقافية والرياضية والترفيهية والاقتصادية، جعلت منها في مقدمة الوجهات السياحية في المنطقة بعد أن تطور المنتج السياحي فيها، بعيداً عن تلك الوسائل التقليدية والنمطية.
مهرجان قصر الحصن ليس مجرد حدث ثقافي أو ترفيهي وإنما رمز من رموز اعتداد وفخر إنسان الإمارات بتاريخ عريق ثر، واعتزاز برسالة سامية تمد جسور المحبة والتعارف بين البشر.