بقلم : علي العمودي
عندما يتردد المرء على إيطاليا تفاجئه كل مدينة بما تملك من سحر، ومن حكايا تروى، وفي كل زيارة لأي مدينة في ذلك البلد الصديق الجميل وشعبه الرائع المحب للحياة درجة الجنون، تحاول أن تقف على شيء من أسرار ذلك الجمال والتاريخ الغني، وحيث كل منطقة ومدينة تتباهى أنها تملك النصيب الأوفر من شواهد وأوابد تاريخ ثر وحضارات متعاقبة، ولكن حكاية بلدة «ماتيرا» الجنوبية مختلفة.
فالمدينة التي تعتبر ثالث أقدم مدينة في العالم، بعد حلب السورية وأريحا الفلسطينية، تضم بيوتاً محفورة في الصخر تطل على وديان سحيقة تسمى «ساسي» أي الحجارة باللغة الإيطالية، شهدت مؤخراً تسلم سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي راية معرض إكسبو من مدينة ميلانو عاصمة الأزياء والموضة التي احتضنت الدورة الأخيرة من معرض إكسبو عام 2015.
بلدة ماتيرا التي اختيرت عاصمة أوروبية للثقافة لسنة 2019 وصفها في خمسينيات القرن الماضي رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق دي غاسبيري، والذي يعد أحد مهندسي الوحدة الأوروبية، بأنها «مصدر خجل وطني»، وذلك بسبب الفقر المدقع والبؤس الشديد الذي كان يعانيه سكانها الذين اضطروا للإقامة في كهوف تعود إلى العصر الحجري القديم، من دون كهرباء ولا مياه جارية أو قنوات صرف صحي، إلا أن المدينة نجحت بعد ذلك في تحسين صورتها وإنقاذ كهوفها وقصورها الباروكية وكنائسها القديمة، جهود توجت باختيارها لتكون عاصمة أوروبية للثقافة، وتستعد لاستقبال مئات آلاف من السياح والزوار الذين يتدفقون عليها لاكتشاف ثقافتها وتراثها في ذات الكهوف التي تم ترميم الغالبية العظمى منها، وأصبحت ترفع شعار «من خجل وطني إلى مجد وطني».
يأتي تسلم الراية من ميلانو مع بدء العد التنازلي لاستضافة الإمارات في دار الحي الحدث العالمي الذهبي«إكسبو دبي2020»، وانطلاق فعاليات فنية كبرى أمس الأول في مختلف مدن الدولة تحت شعار«سنة لننطلق». أجواء احتفالية بهيجة تعبر عن روح الفرح والتسامح والتعايش، وفي الوقت ذاته تجسد الاستعدادات الضخمة الجارية على قدم وساق، وفرق العمل تصل الليل بالنهار، وكأنما الحدث غداً، بما يعبر عن الأسلوب الإماراتي في العمل الحريص ليس فقط على انطلاق كل شيء في وقته المحدد، وإنما بلمسات جمالية زاهية متألقة تألق قصة المدينة التي تحتضن العالم بكل حب وترحاب.