بقلم : علي العمودي
ساعات عصيبة شهدناها جميعاً فجر الجمعة الماضي، منذ أن أعلنت القوات السلطانية في سلطنة عُمان الشقيقة حالة التأهب القصوى. ظن البعض في بادئ الأمر أنها تتعلق بالأوضاع المضطربة التي تعيشها المنطقة، قبل أن يُعلن عن النبأ المؤلم برحيل باني نهضة عمان السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، لتفقد منطقتنا أحد أعمدة الحكمة وزعيماً وقائداً فذاً استطاع على امتداد خمسين عاماً من حكمه ترسيخ مكانة بلاده والدفع بها قدما نحو التنمية والتقدم والازدهار والاستقرار، وحقق لها مكانة رفيعة مرموقة واضعاً بصمة تاريخية مميزة تميزت بها السلطنة في المنطقة وعلاقاتها الإقليمية والدولية، ووظفها لخدمة الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة ولأجل العالم.
مشاركتنا لأهلنا في السلطنة الشقيقة المصاب الجلل تنطلق من الروابط التاريخية ووشائج القربى والتاريخ المشترك الذي يجمع البلدين الشقيقين، فقدٌ كبير لقامة عظيمة، نعته قيادتنا الرشيدة وهي تستذكر مناقبه وخصاله التي ميزته وميزت حكمه وقيادته، وهو الذي أرسى مع الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراهما هذا النموذج المتفرد من الخصوصية في علاقات، عنوانها الحكمة والعمل لأجل كل ما فيه الخير لشعبينا وشعوب منطقتنا الخليجية انطلاقاً من رؤى مشتركة بوحدة المصير والأهداف والغايات، وجعلا منها أنموذجاً يُحتذى به في ما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الأشقاء من حسن جوار واحترام وتعاون ومصالح مشتركة.
السرعة والسلاسة التي جرت بها عملية انتقال السلطة أبهرت الجميع، وفي الوقت ذاته أحبطت آخرين وبالذات محللي فضائيات التحريض ومنصات الحقد والتضليل.
هذه السرعة والسلاسة هي ثمرة حكمة السلطان الراحل ونتاج غنى تجربته، وقطاف عقود الاستقرار الذي صنعه منطلقاً من إرث دولة القانون والمؤسسات المستقرة المزدهرة التي نقش بصبر وتؤدة وحكمة أدق تفاصيلها، بل ووضع تفاصيل رحلته إلى مثواه الأخير من قصر بيت البركة مروراً بالجامع الذي يحمل اسمه، وأضحى أحد أبرز معالم العاصمة التي عشقها وحتى مقبرة العائلة في بوشر وسط مراسم بسيطة محمولاً على نفس العربة التي حملته لمقر الحكم ذات صيف من العام 1970، تاركاً لنا رسالته الأخيرة بنسق الهدوء الذي ميز حكمه رغم اللجج العاتية التي تضرب المنطقة.
رحم الله السلطان قابوس وأسكنه فردوسه الأعلى، ووفق الله جلالة السلطان هيثم بن طارق لمواصلة مسيرة الحكمة والنهضة المباركة.