بقلم : علي العمودي
بده مكي بن قدور خبير المحتوى الإعلامي بالمجلس الوطني للإعلام الذي احتضنه ثرى أبوظبي يوم الجمعة الماضية بعد أكثر من 40 عاما في خدمة إعلام الإمارات، كان رحمه الله من أوائل الرجال الذين وفدوا علينا من الجزائر الشقيقة في مرحلة مبكرة من قيام الدولة. وضمن فرقة من الجنود المجهولين الذين كانوا بمثابة خط الصد الأول على الجبهة الإعلامية، حيث كانوا يدققون ويمحصون الكتب والصحف والمطبوعات التي ترد على البلاد. مازلت أتذكره في مكتبه المتواضع مع زملائه محسن والندوي. مكتب لا مكان فيه للجلوس لفرط تكدس الكتب والمطبوعات في ذلك الطابق من مبنى وزارة الإعلام والثقافة سبعينيات القرن الماضي قرب المكان الذي يقوم فيه مركز «المهيري سنتر» بالعاصمة.
كان الرجل المربوع القامة نحيل البنية موسوعي المعرفة بكل ما تعني الكلمة، وكان يأسرنا بدماثة خلقه وقوة منطقه في الإقناع عندما يتحدث حول أية قضية ضمن اختصاصه، وكان يولي الكتب الدينية ونسخ القرآن الكريم عناية خاصة عند تدقيقها قبل أن تصل إلينا. وكان مرجعًا في الكثير من القضايا التي تلتبس علينا، وبعد أن اتخذت الوزارة من مبنى المسرح الوطني قبالة تلفزيون أبوظبي مكاتب مؤقتة لها باتت أكثر قربا لنا. وكالعادة لا تمر زيارة للمكان دون المرور بمكتبه لمعرفة جديد الكتب ومحاورة حافظ «ألفية ابن مالك».
اقتربت منه أكثر عندما تعاون معنا في «الاتحاد» لفترة طويلة في أبواب التراث العربي والمنوعات والكلمات المتقاطعة والتسالي، وكان دقيق التعامل شديد الالتزام بمواعيد تسليم المواد. حريصا أشد الحرص على توفيرها قبل قيامه بإجازته السنوية.
بده مكي، كان من الرجال الذين تتعلم منهم أشياء كثيرة في مقدمتها تواضع العلماء والعارفين ومثابرة المجتهدين والاستزادة من العلم، فلم تكن تراه إلا متأبطاً بكتاب أو مطبوع جديد.
ارتبط بالإمارات بقوة وحب مع تقدمه في العمر مواصلاً عمله بذات الهمة والحماس رغم تداعيات السن وتسلل المرض لذلك الجسد النحيل قوي الإرادة. كان يرى في استمرار عمله ردًا لجميل وطن أكرمه بالرعاية والاهتمام. ويذكر كثيراً اهتمام ومتابعة قيادات المجلس الوطني للإعلام ومن قبلها وزارة الإعلام والثقافة لأحواله وتقديرها لعمله الدؤوب.
رحم الله بده مكي وخالص العزاء والمواساة لأسرته وزملائه ومحبيه الذين سيفتقدونه كما تلك الزاوية الصغيرة من مكتبه والزاوية الأكبر في «الوادي».