علي العمودي
قادتني الظروف إلى أحد الأبراج المنتشرة على ضفتي شارع زايد الأول (الكترا)، فاستغربت ما يجري فيه، حيث لا تستطيع تحديد هوية المبنى، ما إذا كان سكنيا أو تجاريا أو الاثنين معاً، جراء فوضى عارمة يبدو عليها من الداخل، فكل طابق من طوابقه يضم شققا وأجنحة، تفرخ بدورها أكشاكاً من مكاتب تزعم أنها «شركات»، لوحاتها أكبر من المساحة التي تحجزها في ذلك المبنى الذي اعتقد أنه مؤهل لدخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية باعتباره يضم أكبر غابة مكاتب «عشوائية»!
الزائر للمكان للوهلة الأولى لا يستطيع الوصول لأي من الشركات أو المكاتب التي تضع لوحاتها عند مدخل البناية، إلا من خلال الحارس أو «الناطور» الوحيد الذي يعرف خريطة المكان، ليدل الزائر إليه. حتى هو لم يكن قادراً على تحديد هوية المبنى الذي يعمل فيه، وما إذا كان سكنا للعزاب أو العائلات أو مكاتب، واختصر رده بأن «كل نفرات داخل مكان»!
ما رأيت في ذلك المبنى، صورة من صور السكن والمكاتب العشوائية المستأجرة من الباطن، والتي لم ينجح نظام «توثيق» رغم كل اشتراطاته المعقدة في الحد منها، فمن غير المعقول أن يكون قد وثق «طاولة وكرسي وخزانة حديدية على أنها مكتب»!
السكن العشوائي الذي اتخذ مظاهر وصورا عديدة في قلب العاصمة، انتشر بصورة أوسع وأكبر مما كان عليه، لأنه يزدهر في ظل غياب المتابعة وتباعد الحملات التفتيشية التي تتطلب أن تكون متواصلة على مدار العام، وليس موسمية على طريقة البلدية. فالمبنى الذي أتحدث عنه ليس ببعيد عن المقر الرئيسي للدائرة.
كما تزدهر الظاهرة مع انفلات أسعار الإيجارات وارتفاعها بصورة جنونية، وزيادة أعداد «مستثمري الغفلة» الذين يغرون بعض الملاك بعائدات مرتفعة، ليعيدوا تأجيرها من الباطن، وتقسيمها على طريقة أكشاك الحمام التي نراها.
من يزور مبنى كالذي أحدثكم عنه، تقفز أمامه تساؤلات تتعلق باشتراطات السلامة العامة، لو حدث طارئ - لا سمح الله-، فأين منه الدفاع المدني، وهو الذي أعلن تنظيم أضخم الحملات على مستوى الدولة لضمان التزام المنشآت الصناعية والتجارية والسكنية باشتراطات السلامة العامة. أيها المعنيون بالأمر المسألة بحاجة لجولات تفتيشية لا إدارتها بالاستشعار عن بعد.