علي العمودي
رغم إسدال الستار على فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان قصر الحصن، إلا أنها لا زالت حاضرة- كما حلم جميل-، لا نريدها أن تغادرنا وترحل عنا، ربما لأن أيامها محدودة، وهي الغنية بالأنشطة والاستعراضات في مشاهد تلخص الارتباط القوي لإنسان الإمارات بتاريخه وتراثه وهويته الوطنية.
دورة هذا العام من المهرجان الذي جاء ثمرة تعاون مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان وهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، كانت شاملة وثرية متنوعة فيما يتعلق بمناطق المهرجان الأربع التي جسدت تنوع بيئة الإمارة. ومكنت زواره من دخول غرف القصر الذي يعد أقدم بناء في المدينة التي اتخذها شيوخنا من آل نهيان عاصمة لهم ومركزاً للحكم منذ أكثر من250عاماً بعد أن قرروا الانتقال من واحات ليوا.
فعاليات المهرجان وحجم الإقبال عليه عبر عن شغف ولهفة من الأجيال المعاصرة من أبناء الإمارات، وحتى المقيمين على ترابها الطاهر للتعرف على جوانب من التاريخ العريق والأصيل، وصور من كفاح الآباء والأجداد في وجه تحديات الزمن وقسوة الحياة في تلك الأزمنة الغابرة. ومما أضفى ألقاً وبهاء لدورة مهرجان هذا العام، إحياء راعي المبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لبرزة القصر، وسموه يستقبل ضيوف البلاد وجموع المواطنين، تجسيداً للنهج الشوروي الذي قامت عليه إمارات المحبة والوفاء والعطاء. وكان المرء يقرأ ملامح الدهشة والإعجاب تطل من عيون الضيوف الذين أسرتهم بساطة وحميمة العلاقة بين أبناء الإمارات وقيادتهم الحريصة على تلمس احتياجاتهم ومتابعة أحوالهم. مواقف ومشاهد وصور تعكس مقدار التلاحم الوطني ومتانة اللحمة الوطنية العصية على الاختراق. علاقة حب ووفاء واعتزاز تلتصق بالجذور الضاربة القدم وفي عمق الأرض التي «كانت لنا الأم رغم الجوع ترضعنا، واليوم فاض على أفواهنا الدسم»، كما قال شاعر الإمارات الكبير الراحل سلطان بن علي العويس.
أيام من الفعاليات الجميلة والمتجددة أكدت الفخر والاعتزاز بالماضي العريق، والحاضر المزدهر، والتفاؤل بالمستقبل المشرق. وأكدت وبقوة تمسك أبناء الإمارات بهويتهم وتاريخهم رغم رياح التغيير العاتية، وبحر الثقافات المتلاطم، وتطويع كل تلك التحديات ببناء منصة عالمية لتلاقي الحضارات لخير البشرية قاطبة.