سررت بمبادرة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتعزيز اللغة العربية، واعتقدت للوهلة الأولى أنها تتعلق بتصحيح وضع سابق يتعلق بإعادة النظر في معاناتنا طلابنا مع”الآيلتس” بعد اشتراط مؤسسات التعليم العالي من جامعات وكليات لهذه الشهادة بعد قرار التدريس فيها باللغة الانجليزية.
سرعان ما تلاشت سعادتي بعد معرفتي تفاصيل الخطوة التي جاءت لمعالجة وضع تعاني منه كل المؤسسات والدوائر جراء طغيان اللغة الانجليزية على المشهد، وأصبحت لغة التخاطب والتعامل.
بل إن جهات أخرى ذهبت إلى أبعد من ذلك باستخدام الاوردو من أجل توصيل رسالتها للجمهور الذي تتعامل معه.
رغم أن مثل هذه المبادرات تتعارض تماماً مع قرارات مجلس الوزراء والمجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي ودستور الدولة.
أن تتمسك بلغتك لا يعني انغلاقاً أو عجزاً أو رفضاً للآخر، كما يروج البعض من أنصار الطعن في اللغة العربية، ممن يريدون إقناعنا بأنها لغة لا تصلح لتدريس العلوم.
وذلك من أجل التسويق لأكشاك تعليم الانجليزية وتهيئة الطلاب لدورات وامتحانات”الآيلتس” التي نبتت كالفطر في كل مكان، وأصبحت تجارة متكاملة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
اللغة هوية وطنية قبل أي شيء آخر، بل إن بعض علماء الاجتماع يرجعون الصراعات لهذا العنصر، ولعل أحدثها ما يجري في أوكرانيا، وقبلها في العديد من البلدان داخل القارة الأوروبية وفي مناطق عدة من العالم.
فهي ليست أداة تخاطب وتفاهم قدر ما هي منظومة متكاملة من منظومات الهوية الوطنية في المجتمعات الإنسانية.
إن المبادرات التي أطلقتها الدولة في العديد من المناسبات لتعزيز استخدام اللغة العربية، لم يكتب لها النجاح بسبب قوة ممارسات الأمر الواقع جراء التفوق العددي لغير الناطقين باللغة العربية، وبدلاً من استقطابهم لدراسة لغتنا نجحوا هم في إلزامنا بالتعامل معهم بلغتهم.
وتسوية هذا الوضع المقلوب لن يتم تصحيحه إلا بإكساب تلك المبادرات طابعاً إلزامياً بقوة القانون.
لعل في مقدمة ذلك الوضع المشوه في الميدان التربوي والتعليمي الذي تتغلب فيه الانجليزية على العربية.
كل التجارب التعليمية الناجحة وفي مقدمتها الفنلندية تقوم على الانتصار للغتها الأم، وحتي في المجتمعات الصناعية كاليابان وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول، الدراسة فيها باللغة الأم.
أما غيرها من اللغات فاختياري من منطلق تطوير مهارات الفرد وتسهيل اتصالاته بمحيط عمله المستقبلي.
وبحكم عملي أرى ثمار ما أعتبره عبثا في الهوية، أرى خريجين شبابا وشابات غير قادرين على التعبير عن أنفسهم بلغتهم الأم، ولا أبالغ إذا ما قلت إن بعضهم، وهم من إماراتنا الغالية لا يقدرون علي كتابة سطر باللغة العربية، ومن هنا يستسهلون تمرير “الايمليات” باللغة الانجليزية، وهو ثمن يدفعه أمثالهم لعقدة لدى البعض ويتصور معها عجز لغتنا عن مجاراة العصر.
وواقعة تعاميم وزارة البيئة لأصحاب الكسارات في المناطق الشمالية باللغة الانجليزية، وما ترتب على ذلك نموذج صارخ للوضع المؤلم للغة الرسمية للبلاد، وفي الوقت ذاته صورة من صور عدم الالتزام بقرارات رسمية صادرة عن مجلس الوزراء، ومبادرات قيادتنا الرشيدة لإعلاء شأن اللغة العربية في وطن يحمل رسميا اسم “الإمارات العربية المتحدة”.