علي العمودي
في نفس يوم وقوع الهجوم الإرهابي على مقر مجلة « شارلي إبدو» في باريس وسقوط 23 قتيلاً وجريحاً من الصحفيين العاملين فيها ورجال الشرطة، شهدت المدن الفرنسية الأربعاء الماضي وقفات تضامن مع الضحايا وأسرهم، وتعبيراً عن التمسك بالقيم والمبادئ التي تقوم عليها الجمهورية الفرنسية من حرية في التعبير والمواطنة المتساوية والعدالة، لتفويت الفرصة على من يحاولون المساس بالوحدة الوطنية لبلد يعد الإسلام ثاني أكبر الديانات فيه. ورغم ذلك تعرض بعض المسلمين ومساجدهم لهجمات متفرقة، بعد أن قدم منفذو الهجوم الإرهابي الخسيس أكبر هدية لأعداء الإسلام بفعلتهم الجبانة تلك، وهم يدخلون على صحفيين في اجتماعهم الصباحي، وينادون عليهم الواحد تلو الآخر ليقتلوهم بدم بارد، وليجهزوا على شرطي جريح خارج المبنى برصاصة في رأسه، ويمطروا آخر بالرصاص، ولمسلمي فرنسا إسهامات مقدرة في التاريخ الحديث لتلك البلاد وقيمها.
الإدانة الدولية الواسعة للهجوم الوحشي الغادر الذي نفذه القتلة باسم الإسلام يعبر عن رفض الضمير الإنساني لهذه الأعمال البربرية. كما أن تنديد الدول والمجتمعات المسلمة به، جاء ليؤكد أن مرتكبيه لا صلة لهم بدين الرحمة ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، الذي بُعث بالحق متمماً لمكارم الأخلاق.
على مدى الأيام القليلة الماضية التي سبقت الهجوم الإرهابي شهدت العديد من المدن الألمانية والسويدية حملة تضامن مع المسلمين بعد تعرض ثلاثة مساجد لحرائق متعمدة من قبل متطرفين، بينما كانت حركة «بيجيدا» الألمانية المتطرفة، وهي اختصار لاسم «وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب» تحشد أنصارها، ومقابلها كانت شرائح من المسؤولين والمواطنين الألمان ينظمون مظاهرات مضادة تؤكد فيها قيم التعايش والتسامح في البلاد. كما كان مواطنون سويديون يرسمون ويدونون عبارات التضامن والعيش المشترك على أبواب المساجد هناك، لتجيء مثل هذه الشرذمة الضالة من الإرهابيين، وتقدم للمتطرفين أينما كانوا هدية لا تقدر بثمن.
إن الهجمات الإرهابية الأخيرة في فرنسا التي كانت محل استنكار شرفاء العالم تطرح مجدداً ضرورة لجم التطرف في الجانبين، والتصدي للإرهاب المتستر بشعارات الإسلام بكل قوة، خاصة وأن شروره لا تقتصر على بلد بعينه، وإنما يستهدف وجود الإنسان في كل مكان.