علي العمودي
فقدت أفريقيا الأسبوع الفائت أحد أكبر مفكريها والمنافحين عن قضاياها وقضايا الأمتين العربية والإسلامية برحيل البروفيسور علي المزروعي الذي توفي في الولايات المتحدة، حيث يقيم منذ عقود محاضراً في أشهر جامعاتها في العلوم السياسية، ومتحدثاً في منتدياتها عن قضايا العالم الثالث، وبالذات ما يتعلق بالقارة السوداء، وكذلك عن الإسلام الذي عمل كثيراً على تفنيد ما لحق به من خلط وتشويه على يد أولئك المتطرفين والمتاجرين بالدين.
وهي قضايا حفلت بها مؤلفاته العديدة التي كانت لها أصداؤها في الغرب، كما حملتها الأفلام الوثائقية التي أعدها وأشرف على إنتاجها لصالح كبريات الشبكات الإخبارية العالمية، وقامت ببثها عبر قنواتها المنتشرة.
رحيل قامة بحجم البروفيسور علي المزروعي- كما وصفه الرئيس الكيني أوهورو كينياتا- وسط تجاهل إعلامي عربي، يكشف الهوة بين النخب العربية وثقافات وشعوب وبلدان هذه المنطقة من العالم، والتي هي على تماس مباشر بالتاريخ والجغرافيا والمصالح العربية.
كان المزروعي من المفكرين الذين حذروا مبكراً من تأثيرات العولمة على الهوية الوطنية في بلدان القارة، والحفاظ على القيم و الموروث الوطني لأقطارها. ولعل أحد أشهر الوثائقيات التي أعدها في هذا المجال، تلك التي عُرضت في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت بعنوان «الأفارقة» والموروث الثلاثي، والذي تناول فيه تأثير الثقافتين الغربية والإسلامية، إلى جانب المحلية على تاريخ القارة.
كان أول لقاء لي مع الرجل في العاصمة الصينية بكين، عندما أجريت معه حواراً صحفياً خلال مشاركته في مؤتمر دولي، والتقيته بعدها محاضراً وزائراً في الإمارات.
اليوم يعود على المزروعي ليحتضنه ثرى مدينة ممباسا الساحلية الكينية مسقط رأسه، حيث أبصر النور قبل 81 عاماً، هذه المدينة الجميلة الشاهد الحي على التواصل الخليجي الأفريقي، بما حمله ذلك التأثير من خلال الدعاة الأُول الذين كان هذا الثغر واحداً من بواباتهم على السواحل الشرقية لنشر الإسلام. كما كانت جزءاً من الامبراطورية البوسعيدية في النصف الأول من القرن التاسع.
في هذا المدينة التاريخية التي تعددت زياراتي لها، كان القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قد أمر بتأسيس كلية متكاملة تحمل اسم قائد المسيرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، سرعان ما تحولت لجسر تواصل متجدد بين الخليج وهذا الجزء من القارة الأفريقية الذي احتضن آلاف الأسر من منطقة الخليج وجنوب الجزيرة العربية في حقب غابرة.
وقد كانت خطوة إقامة كلية تحمل اسم خليفة الخير في هذه المدينة الحيوية، امتداداً للصلات التاريخية بين الإمارات وكينيا، ولتسهم في الوقت ذاته في نشر ثقافة الاعتدال والوسطية، والتعريف بالقيم السمحاء للإسلام في منطقة أراد البعض لها أن تكون ساحة للصراعات والتناحر بين الشعوب والمعتقدات، حيث تتجلى بصمات المهاجرين الخليجيين الأُول إليها واضحة في صياغة شخصية أبناء المنطقة الساحلية لكينيا، والتي تعتبر واحدة من أجمل وأشهر المقاصد السياحية العالمية.
رحم الله البروفيسور علي المزروعي، وخالص العزاء لأسرته الصغيرة، وطلابه ومحبيه الكثر المنتشرين في كل مكان، وسيظل نجماً ساطعاً في سماء الثقافة والفكر الإنساني.