لم تكن واقعة وفاة طفلة اختناقاً في حافلتها المدرسية بأبوظبي أمس الأول، الأولى من نوعها في الدولة التي شهدت حوادث مماثلة وإن كانت متفرقة أو متباعدة.
وكعادتنا دائما عند وقوع فاجعة مثلها، نبدأ في مسلسل تبادل الاتهامات وتقاذف المسؤوليات، وهي تكشف دوماً عن ثغرة هنا أو هناك، عجزت التشريعات والإجراءات عن سدها في اللحظة الحرجة والدقيقة الفاصلة لحماية روح بريئة وإنقاذها.
قبل أن يحل العام الدراسي الحالي منذ أكثر من أربعين يوماً، كانت التصريحات الوردية تحاصرنا من كل جانب سواء من المناطق التعليمية أو وزارة التربية والتعليم وحتى إدارات المرور في مختلف مدن الدولة.
وكذلك الجهات المعنية بالنقل المدرسي، سواء أكانت “مواصلات الإمارات” أو دوائر النقل التي تتولى عمليات التوعية للعاملين في هذا المجال من سائقين ومشرفين، وتمتد في أحايين كثيرة إلى أولياء الأمور.
وقبل أيام تناولنا هنا مسألة سلامة النقل المدرسي، بينما كانت إحدى أكبر المدارس الخاصة في العاصمة تدير ظهرها لأولياء الأمور الذين دفعوا رسوم نقل أبنائهم، وتتركهم يتفاوضون مع أصحاب حافلات صغيرة تفتقر لأدنى معايير السلامة.
ومع هذا لم يتحرك أحد، وكل ينظر للمسألة كما لو أنها لا تعنيه، بانتظار وقوع كارثة من جديد.
ومهما سيقت من مبررات، وعبارات العزاء والمواساة لذوي الصغيرة نزيهة التي قضت في حادثة أمس الأول، فإنها لن تخفف من وطأة صدمتها على الأسرة، والحادثة التي قوبلت بتعاطف كبير من أفراد المجتمع.
ومن تابع ردود مجلس أبوظبي للتعليم وكذلك اللجنة التنفيذية للنقل المدرسي على الحادثة المؤلمة، وحتى إدارة المدرسة المعنية يجد فيها مجرد انتظار للتحقيقات، وتذكير للرأي العام بأن الفترة المقبلة سوف تشهد المزيد من الإجراءات المعززة لسلامة النقل المدرسي، من دون اتخاذ إجراء فوري للتعامل مع مثل هذا الظرف المأساوي.
هذه الواقعة وطرق الحيلولة دون وقوعها يجب أن تكون أولوية الجميع، خاصة أن الدولة ومن خلال وزارة الداخلية تولي جانب الوقاية والسلامة أهمية خاصة، لا سيما وأنها كانت قد أطلقت تطبيقات ذكية لأجل سلامة الأطفال عامة، والتلاميذ على وجه الخصوص خلال عملية النقل المدرسي، ونشير هنا لبرنامج “حمايتي” الذي جرى إطلاقه عبر الهواتف الذكية مطلع العام الدراسي الحالي.
والذي كان يفترض أن يكون إلزامياً على جميع الجهات العاملة في هذا المجال.
السكوت عن مثل هذا الإهمال الجسيم لا يدفع ثمنه سوى أطفال أبرياء، ويتجرع مرارته آباء وأمهات اطمأنوا إلى وجود فلذات أكبادهم بيد أمينة، ولكنها سرعان ما تظهر وجهها الآخر من استهتار ولا مبالاة تقود لمثل هذه الحوادث القاتلة، ولا يجدي معها النواح وتبادل تقاذف المسؤولية.
والأمر برمته بحاجة إلى إعادة نظر فيمن يتم إسناد أمر رعاية ومتابعة هؤلاء الصغار لهم من حيث النظر في خلفياتهم السلوكية وصحائفهم الجنائية ومقدار تحملهم للمسؤولية.
دم الصغيرة نزيهة يجب ألا يذهب هدراً، ومن دون محاسبة جادة وحازمة سنجد أنفسنا مع حوادث مشابهة من حوادث اغتيال الطفولة البريئة، سواء تحت عجلات الحافلات المدرسية أو داخلها، أو الاعتداء عليها داخل أسوار المدرسة.