علي العمودي
لاحظت قبل أيام عند وجودي في أحد المراكز التجارية الكبرى بالعاصمة، مرابطة أحد أفراد الأمن الخاص أو الـ«سيكيورتي» عند كل مدخل من مداخل دورات المياه.
اعتقدت للوهلة الأولى وجود حالة استنفار في المكان أو إبعاد الفضوليين عن شخصية لفتت أنظار المتسوقين.
سألت أحدهم عن سر الحالة، وكان رده غريباً بالنسبة لي، ويبدو أن عدم ترددي على مثل هذا المكان منذ فترة طويلة سبباً لاستغرابي لرده.
فقد قال الحارس الذي يتحدر من أحد بلدان أفريقيا الغربية أن إدارة المركز تفرض عليهم الوجود في هذه الأمكنة لملاحقة المراهقين ممن يدخنون فيها.
وعندما سألته عن سر عدم حماسهم وإدارة المركز لخروقات الكثير من رواده لقواعد الاحتشام بعد أن أصبحت مجرد لوحة تُعلق على مداخله، فإذا بالرجل يفضفض عن معاناته و«الحالة العدوانية» التي تتلبس بعض الرواد عند محاولته تذكيرهم بتلك القواعد، ما يضطره وزملاءه للسكوت عنها، والتركيز على مخالفات التدخين ومطاردة المراهقين، بدلاً من التعنيف الذي يلقون من الطرفين الرواد والإدارة في آن.
مشاهد تختزل النظرة الدونية التي يتعامل بها الكثيرون منا مع أفراد «السيكيورتي»، وبصورة مغايرة تماماً للأهداف الكبيرة التي وضعتها وزارة الداخلية والقيادة العامة لشرطة أبوظبي، وهي تتيح الفرصة لشركات الأمن الخاصة للعمل جنباً إلى جنب معها لتعزيز الخدمات الشرطية والأمنية.
وأعتقد أن شركات الأمن الخاص أسهمت من حيث تدري أو لا تدري في الأمر، والكثير منها يتعاقد مع أفراد لا صلة لهم بالعمل في المجال، فقط لأنهم من العمالة الرخيصة منخفضة الأجر والتأهيل.
وبالتالي في المواقف الحرجة والدقيقة ينكشف هؤلاء، وتجدهم بلا حول أو قوة عند أبسط الوقائع، كتقديم الإسعافات الأولية لمصاب لحين وصول المسعفين أو رجال الإنقاذ، وحتى عند العثور على طفل أو طفلة تائهة في هذا المركز أو غيره، تجدهم في «حيص بيص»، يفتقرون لمهارات التواصل مع طفل في حالة بكاء متواصل واضطراب وخوف.
لقد كان لإدارة شؤون الأمن الخاص بالقيادة العامة لشرطة أبوظبي مبادرات طيبة لتحسين أوضاع العاملين في شركات الأمن الخاص للارتقاء بهم وبأحوالهم، ولكن يبدو أنها قد تعثرت أمام قوة أصحاب نظرية الاعتماد على من هب ودب بساعات عمل أطول وراتب أقل.
ويتناسى أمثالهم النتائج الكارثية التي يمكن تقودهم إليها نظرياتهم الخائبة تلك، سيما وأن شركات الأمن الخاصة أصبح يعتمد عليها في مواقع ومنشآت حساسة، ناهيك عن الاعتماد الكلي عليها تقريباً في نقل الأموال والمقتنيات الثمينة.
كل تلك الأمور مجتمعة جعلت اليوم بعض الصبية والأطفال من المترددين على المراكز التجارية وغيرها من الأماكن لا يعيرون أفراد «السيكيورتي» أدنى اهتمام، ولا يكترثون لما يقول أو يلتزمون بما يطلب، وبالتالي أصبح الكثير من هؤلاء الحراس يؤثرون السلامة ويعملون جاهدين لتمضي فترة مناوبتهم بكل هدوء ويسر، وهم على وقفتهم تلك في زوايا المراكز التجارية المنتشرة بالمدينة.
إن أوضاع هذه الفئة من العمالة التي تسند إليها مهام كبيرة وخطيرة، بحاجة لمراجعة لرفع المعاناة عنهم ورد الاعتبار لمهنتهم، ومن دون ذلك سنفقد دورهم من الشراكة المرجوة.