بقلم - عريب الرنتاوي
عادت كرة المصالحة والانتخابات لتتدحرج من جديد، بعد توقف دام عدة أشهر، تخللتها «نوبة» من الاتهامات المتبادلة بين فريقي الانقسام، على خلفية عودة السلطة للعمل بالاتفاقات المبرمة مع إسرائيل واستئناف التنسيق الأمني معها...هذه المرة، أدخل المنقسمون على أنفسهم، خمسة أطراف عربية وإقليمية ودولية، على خط الوساطة وتقديم ضمانات «حسن تنفيذ» التفاهمات، وهي تكاد تنحصر في نقطة واحدة: إجراء الانتخابات بالتعاقب، وليس بالتزامن: التشريعية أولاً، تليها الرئاسية فالمجلس الوطني لمنظمة التحرير (حيثما أمكن)، وفي غضون ستة أشهر.
وجود كل من روسيا وتركيا، مصر والأردن وقطر في قلب هذه التفاهمات، كأطراف وسيطة وضامنة، يعطي المحاولة الأخيرة، زخماً إضافياً...حلفاء السلطة وحلفاء حماس (باستثناء إيران) في رزمة واحدة، يتوسطون ويضمنون...ما يعني خروج ملف المصالحة من دائرة التجاذبات العربية والإقليمية...دعونا ننتظر كيف ستتصرف إيران، وفي ظني أنها لن تكون طرفاً معرقلاً.
من المفترض بعد أن تُنهي لجنة الانتخابات الفلسطينية المركزية، مشاوراتها، أن تقدم للرئيس محمود عباس، مقترحاً بمواعيد «ممكنة» لإجراء الاستحقاق المتأخر عن موعده، عقداً من الزمان...حيث سيُصار إلى استصدار مرسوم رئاسي يحدد يوم الاقتراع ويدعو الهيئة الناخبة للتوجه إلى صناديق الاقتراع...وخلال هذه الفترة، ستشهد الساحة السياسية، حراكاً انتخابيا، يتركز على بناء القوائم وتشكيل التحالفات، ولا أدري إن كانت فكرة نزول فتح وحماس في قائمة واحدة، ما زالت ممكنة.
يبدو أن حماس كانت بأمس الحاجة للضمانات العربية والإقليمية والدولية، ففجوة الثقة بينها وبين السلطة، على اتساعها، وهي تريد أن تضمن التئام انتخابات رئاسية وأخرى للمجلس الوطني، حتى تضمن حصتها المناسبة، في كعكة النظام السياسي الفلسطيني، وهذا حقها، إذ لم يكن في حكم المؤكد أن السلطة ستفي من تلقاء ذاتها، بإتمام مسلسل الانتخابات، ثلاثي الحلقات...ولا أدري إن كانت هناك ضمانات كافية، تلزمها بفعل ذلك، فنحن لا نعرف حتى الآن، شكل هذه الضمانات ومنطوقها ومن هي الجهة التي قطعتها على نفسها، وما إذا كان لدى الأطراف الضامنة، الأدوات للوفاء بتعهداتها، أو أنها ستبقى على «الحماسة» ذاتها، إن جاءت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات، غير مواتية لحساباتها، وفي غير صالح حلفائها الأقربين على الساحة الفلسطينية.
لكن وعلى فرض أن مرسوماً رئاسياً، سيصدر قريباً لتحديد موعد إجراء الانتخابات، فإن ذلك لا يعني أن طريق الاستحقاق بات معبداً، والأهم أن طريق المصالحة واسترداد الوحدة، بات سالكاً وآمناً، وفي الاتجاهين...ثمة عقبات إسرائيلية يتعين تذليلها، وأهمها ما يتصل بمشاركة القدس وساكنيها في الاستحقاق...وثمة ضمانات يتعين انتزاعها من الأطراف الفلسطينية هذه المرة، وليس من «مجتمع الضامنين»، وتتعلق باحترام نتائج الانتخابات بالكامل، والتصرف على أساسها...كلا الأمرين، ما زال في «عالم الغيب والشهادة».
لكن اللافت في أمر «الصحوة» الأخيرة لملف المصالحة، أنه جاء خالياً من «الدسم السياسي»...فحماس لم تكترث على ما يبدو بقرارات السلطة الأخيرة حول استئناف التنسيق الأمني والعمل بالاتفاقات المبرمة، وهي لم تطلب (حتى مجرد طلب) تراجع السلطة عن قراراتها التي تتعاكس مع قرارات «الأمناء العامين» و»الإجماع الوطني»...يبدو أن لحماس أولوية أكثر أهمية، ولكن في مكان آخر: السلطة من قبل ومن بعد...وهذا أمرٌ لم يصبنا بالمفاجأة على أية حال، فلطالما قلنا إن الصراع بين القطبين، لم يعد يدور حول السياسة والبرامج بقدر ما بات يتعلق بالصراع على السلطة والسطوة.