الدقهلية - رامي القناوى
تشهد محافظة الدقهلية احتفالاً كبيراً بعيد تكريس دير القديسة دميانة بمركز بلقاس تحت رعاية الأنبا بيشوي مطران دمياط وكفرالشيخ ورئيس دير القديسة دميانة وسكرتير المجمع المقدس، فيما قام محافظ الدقهلية اللواء صلاح الدين المعداوى بزيارة إلى الدير احتفالا بالذكري السنوية للشهيدة العظيمة. واحتشد آلاف الأقباط من مختلف محافظات مصر للاحتفال بالمولد، وأقيمت الصلوات والتسابيح، ولم يقتصر الاحتفال بعيد التكريس علي الإخوة المسيحيين فقط، إنما شاركهم فيه المسلمون من أبناء القرية وقري المحافظات المجاورة في جو أخوي يفوح منه شذا المحبة والوئام بين الجميع. وتعج منطقة شمال الدلتا بالأديرة القديمة والكنائس الكبيرة المنتشرة في الأماكن كافة، ومنها دير القديسة العفيفة دميانة ببراري بلقاس . وسميت المنطقة بالبراري، لأن المنطقة كانت أراضى بور خالية من الزراعة، وبعضها أراضى منخفضة عن مستوى البحر المتوسط وكانت تغمرها المياه والنباتات المائية كلما اقتربت من بحيرة البرلس. وأثناء زيارة العائلة المقدسة إلى مصر مرت بمنطقة البرلس آتية من سمنود، حيث منطقة البراري التي سفكت فيها بعض دماء الشهيدة دميانة والأربعين عذراء، وتقدست هذه المنطقة بزيارة الطفل يسوع مع العائلة المقدسة. وفى القرن الرابع الميلادي أي بعد 3 قرون من زيارة العائلة المقدسة نشأ دير القديسة دميانة، بحري مدينة الزعفرانة التي كانت عاصمة لمنطقة البرلس، وكان بها كرسى أسقفية وكان مرقس والد دميانة هو والى هذه المنطقة، وبنى فيه قصرا للقديسة دميانة مع الأربعين عذراء لتتعبد فيه خارج المدينة، وبعد استشهاد القديسة دميانة مع الـ40 عذراء دفنت أجسادهن في المكان الذي تعبدت فيه إلى أن جاءت الملكة هيلانة أم الملك قسطنطين، وبنت مقبرة خاصة بهن وكنيسة وذلك بعد بناء كنيسة القيامة بأورشليم في عهد البابا ألكسندروس بابا الإسكندرية التاسع عشر الذي كان بطريركا من سنة 313 م حتى 326 م ورسم أسقفا جديدا لأن أسقف المنطقة كان قد استشهد مع القديسة دميانة. والتقت الـ "عرب اليوم" مع القمص بطرس بطرس وكيل عام مطرانية دمياط وكفرالشيخ ودير القديسة دميانة. وأستاذ علم الوعظ بكليات اللاهوت والقمص أثناسيوس ميخائيل أستاذ التاريخ القبطي بكليات اللاهوت والقمص إبرآم بشوندي أستاذ اللاهوت المقارن بكليات اللاهوت. وقال أستاذ التاريخ القبطي بكليات اللاهوت القمص أثناسيوس ميخائيل إنه في عام 284 ميلادية اعتلي دقلديانوس عرش الإمبراطورية الرومانية وقد نصب هذا الإمبراطور نفسه إلهاً ودعا لعبادة الأوثان، وأمام فشله في استمالة وإغواء الأقباط المصريين للرجوع عن عبادة الله الواحد قام بمجازر وحشية ضدهم حتى أباد مدناً بأكملها. وكانت مصر في هذا الوقت من أكثر شعوب الإمبراطورية إيماناً بالمسيحية، ونال إكليل الشهادة علي يده أكثر من 800 ألف مصري مسيحي ، لذا اختارت الكنيسة القبطية سنة اعتلائه العرش كبداية للتقويم القبطي. فالقديسة دميانة الابنة الوحيدة والمترفة لوالي المنطقة التي كانت تدعي "منطقة البرلس" أو "وادي السيسبان" وكان اسمه "مرقص" وهو مصري مسيحي يخضع للسلطة الرومانية، وقررت دميانة أن تتبتل وتهب نفسها للمسيح، ورفضت طلبات الزواج جميعها، ولم يستطع والدها إثناءها عن عزمها أمام إلحاحها وتصميمها، وانضمت إليها أربعون فتاة عذراء، وعندما علم الإمبراطور برهبنة ابنة والي البرلس وإيمانه بالمسيحية هدده وتوعده بالعذاب حتى ضعف الوالي مرقص وبخر لأصنام دقلديانوس كارهاً، وعندما علمت القديسة أن والدها ترك المسيحية أرسلت له خطاباً مشهوراً قالت له فيه "كان خيراً لي أن أسمع خبر موتك من أن أسمع أنك تركت عبادة الله الواحد لتعبد الأصنام" وأثر هذا الخطاب في نفس والدها فعاد للمسيحية مرة أخري. وعندما علم الإمبراطور بأمره حاول جاهداً استمالة القديسة دميانة بالإغراءات والهدايا، وعندما فشل قام بتعذيبها لمدة 3 سنوات، وأمام صمودها وقوتها أشار عليه أحد القادة بقطع رقبتها هي والأربعين عذراء في ساحة قصر والدها، فنلن إكليل الشهادة في 13 طوبة الموافق عيد استشهادها في 21 أيار/ يناير. وأضاف أنه بعد 50 عاماً من استشهادها انتهي عصر الإمبراطور دقلديانوس وجاء الإمبراطور قسطنطين الذي أصدر مرسوم ميلانو لحرية العبادة في القرن الرابع الميلادي، وعندما سمعت الملكة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين بقصة القديسة دميانة والعذارى حضرت بنفسها إلى مكان استشهادهن بساحة القصر وأمرت جنودها بالبحث عن أجسادهن الطاهرة، فعثروا عليها كما هي لم تتحلل في أحد التلال القريبة، فتباركت الملكة هيلانة منهن وأمرت ببناء مقبرة خاصة بهن وكنيسة، وذلك أثناء قيامها ببناء كنيسة القيامة بأورشليم. ثم طلبت هيلانة من القديس الكسندروس بابا الإسكندرية التاسع عشر تدشينها ورسم أسقفا للمنطقة لأن أسقفها استشهد مع القديسة دميانة والعذارى. وأوضح أستاذ اللاهوت المقارن بكليات اللاهوت إبرآم بشوندي أنه صدر مؤخراً الجزء العاشر من معجزات دميانة ومنها علاج عدم الإنجاب وإخراج الشياطين من الجسد، كما أن المكان نفسه يعد معجزة، فقديماً كان يسمي ب"وادي السيسبان" أو الزعفران وذلك لكثرة نمو أنواع نادرة من نبات الزعفران بالمنطقة بعد مرور رحلة العائلة المقدسة به واستخدامهم لنبع المياه. ويعد من 24 نقطة مرت بها الرحلة في مصر، كما أنه يوجد بالقرب من الدير منطقة تسمي "الأرض الحمراء" مساحتها حوالي 15 فداناً ولون أرضها أحمر وغير صالحة للزراعة، بالرغم من أن كل الأراضي المجاورة لها زراعية، وقد سميت بهذا الاسم لأنها مكان استشهاد القديسة والعذارى وارتوت الأرض بدمائهن الطاهرة. وبعد 120 عاماً من دخول العرب مصر وفي عهد الوالي حسان بن عتاهية حدث زلزال في قاع البحر المتوسط وتسبب في حدوث فيضان عظيم أغرق مساحات كبيرة في شمال البلاد وامتد حتى سمنود بالغربية حالياً، وتهدم قصر الوالي مرقص والد الشهيدة دميانة والكنيسة التي أمرت الملكة هيلانة ببنائها ولكن القبر ظل كما هو. وقام البابا خائيل الـ 46 بإقامة قداس بكنيسة الشهيد أبانوب بسمنود وأخذ من مياه القداس ورش علي مياه الفيضان وهو يردد كيرياليسون "يا رب ارحم" ثم ارتفعت مياه الفيضان لأعلي لمسافة 40 متراً أمام البابا وأخذت في الانحسار واستمر قداسته في رش مياه القداس علي مياه الفيضان حتى وادي السيسبان إلى أن انحسرت تماما ثم جاءت رياح شديدة من البحر المالح وارتفعت الأمواج وألقت أكواماً من الرمال صارت جسراً ثم هدأت الرياح وعادت كأن شيئاً لم يكن. ثم أمر البابا بإعادة جمع الطوب المتهدم من كنيسة القديسة دميانة التي بنتها الإمبراطورة هيلانة وإعادة بنائها مرة أخري، وقام البابا بتكريم أجساد القديسة والعذارى وتكريس الكنيسة في 20 أيار/مايو وهو عيد تكريس الكنيسة. وفي القرن السادس الميلادي في عهد الأنبا يوحنا أسقف البرلس زمن البابا دميانوس الـ 35 من عام 563 حتى 598 كتب مخطوطة تضم تتابع أحداث سيرة القديسة دميانة وخبر تكريس كنيستها في أيام الملك قسطنطين ثم إعادة بناء الكنيسة. وتوجد نسخ من هذه المخطوطة في مكتبة الدير بالبراري ويرجع تاريخ نسخها لعام 1449 شهداء. أي عام 1732 ميلادية ونسخة أخري يعود نسخها لعام 1498 شهداء. أي عام 1781 ميلادية وأوضح وكيل عام مطرانية دمياط وكفرالشيخ ودير القديسة دميانة القمص بطرس بطرس أنه يوجد حالياً بالدير 95 راهبة و40 طالبات للرهبنة تحت الاختبار منهن 8 أجنبيات و100 من المكرسات وقد تم الكشف عن الكنيسة الأثرية للقديسة دميانة عام 1972.